تفكك جديد في المشتركة

19 سبتمبر, 2022 09:26 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة

رام الله -معركة الانتخابات الإسرائيلية العامة للكنيست ال25 تغلي، ويتصاعد بخاهرها تفتا جديدا في الساحتين اليهودية الصهيونية والفلسطينية العربية، ومازالت تموج بالمفاجآت والفوضى والانهيارات في بنى الائتلافات الحزبية، والتي كان اخرها مساء يوم الخميس الماضي الموافق 15 أيلول / سبتمبر الحالي، عندما اعلن حزب التجمع (بلد) عن مغادرته ائتلاف القائمة المشتركة، وقرر النزول بقائمة مستقلة، ومبرره الذي صاغه في بيان الانفصال يرتكز على نقطة أساسية عنوانها "عدم التزام زعامة الجبهة الديمقراطية للسلام، والحركة العربية للتغيير" بما تم الاتفاق عليه سابقا بين القوى الثلاثة بشأن دعم هذا الائتلاف الصهيوني او ذاك لتولي رئاسة الحكومة. واكد زعيم التجمع، ورئيس قائمة "بلد"، سامي أبو شحادة أي كانت النتائج سلبا ام إيجابا، فانهم سيدافعون في التجمع عن خيارهم الوطني، وعن الهوية السياسية للشعب العربي الفلسطيني، ودعم حقوقه في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير والمساواة، باعتبار هذا المفصل يمثل محور الرحى في معركة المواجهة مع القوى والاحزاب الصهيونية، والقضية المطلبية اليومية لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة على أهميتها وضرورتها، بيد انها لا تحتل الأولوية في الصراع الدائر. لا سيما وان القوى الصهيونية في غالبيتها المطلقة اولت تاريخيا البعد السياسي الأهمية المركزية، وقضمت تدريجيا وخاصة بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو في العام 1993 الحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية دون استثناء في مناطق ال48 وفي الأراضي المحتلة عام 1967.

وعلى أهمية النقطة التي تخندق خلفها التجمع الوطني الديمقراطي، بيد ان التشرذم الذي أصاب المشتركة، لا يخدم الفكرة المذكورة. لان المزيد من الانقسام والتفكك، بعدما انسحبت قائمة "برعم" بزعامة منصور عباس في كانون ثاني / يناير 2021 من القائمة بذريعة متناقضة مع منطلقات "بلد" بزعامة سامي أبو شحادة، التي اولت فيها القائمة العربية الموحدة المطالب اليومية الاجتماعية والاقتصادية والصحية وغيرها على حساب المسألة السياسية الوطنية والقومية، وقلبت المعايير والالويات الوطنية. والنتيجة من تجربة "برعم" صفر، ولم يحصد شيئا يذكر من الائتلاف الحاكم، والناتج الوحيد من انفصاله عن جسم المشتركة، احداث المزيد من التآكل في مكانة الصوت الفلسطيني العربي داخل دولة الاستعمار الإسرائيلي. وبالتالي انسحاب "بلد" الان عشية الانتخابات في الأول من تشرين ثاني / نوفمبر القادم قد يضاعف من التشتت، وذهاب نسبة كبيرة من الأصوات لصالح القوى الصهيونية الأكثر تطرفا بزعامة نتنياهو، او حتى جماعة الموالاة الصهيونية، وكلاهما صفق مع أركان ائتلافه لخروج التجمع من المشتركة. ليس هذا فحسب، بل ارتفعت أصوات زعماء القوى الصهيونية المطالبة بالتصويت على اقصاء التجمع، وحرمانه من المشاركة المبدأية في الانتخابات كليا.

كما ان إحداث مزيد من الانفكاك والتمزق في القائمة المشتركة لا يخدم توجهات "بلد". لانه يساعد القوى الصهيونية وخاصة غلاة التطرف والفاشية على الانقضاض على كل قوة فلسطينية على انفراد. اضف الى ان مجرد القبول للاشتراك في العملية الانتخابية الإسرائيلية ووفق معايير القوى الاستعمارية، يملي على القوى الوطنية المواجهة على الجبهتين السياسية الثقافية والمطلبية، وعدم وضعها في تناقض مع بعضها البعض، او فليقاطع التجمع كليا الانتخابات ويدافع عن خياره السياسي، كما كان سابقا، عندما كان جزءا من حركة أبناء البلد.

ورغم قناعتي باولوية البعد السياسي، الذي أكد عليه بيان المكتب السياسي يوم السبت الموافق العاشر من أيلول / سبتمبر الماضي، والذي جاء انعكاسا لمقررات اجتماع اللجنة المركزية للتجمع في الثالث من تموز / يوليو الماضي، وتبنى طرح مشروع سياسي جديد للمرحلة القادمة ضمن ما اسماه "التيار الثالث"، لمنع مخاطر الاسرلة والتصهين والخروج من دائرة صراع المعسكرات الصهيونية، وطرح وفقها مبادرة النقاط الخمس، وهي: عدم التوصية على أي مرشح لرئاسة الحكومة، وعدم التوصية بالتفاوض معها؛ والالتزام بعدم المشاركة في أي ائتلاف حكومي صهيوني مستقبلي لا من الداخل ولا من الخارج؛ الالتزام بعدم التنسيق مع أحزاب صهيونية، ومعارضة تشكيل جسم مانع، او شبكة امان لاي حكومة؛ والامتناع عن اية مشاركة في مؤتمرات الامن "القومي" الصهيونية؛ ووضع اطار عام لحدود المناورة والحراك السياسي.

كما ركز البيان على الهوية الوطنية كأساس ناظم للمواجهة مع القوى الصهيونية بمختلف مشاربها، وعلى أهمية ما تضمنته النقاط الخمس، غير انها نحت نحو اللغة الاقصوية، وابتعدت كثيرا عن حدود المناورة التكتيكية، لا بل قطعت دابر اية مناورة مع القوى الصهيونية، وحالت دون الاستفادة من تناقضاتها، وابعدت الصوت والمقعد الفلسطيني عن ان يكون الرقم الصعب، وبيضة القبان في المعادلة الإسرائيلية. وبالتالي ما حرص التجمع على اخذه باليسار، دفعت باليمين، ونزع من يد القوى الفلسطينية ورقة سياسية وقانونية وثقافية ومطلبية هامة، وجرد المشتركة من اية مناورة ممكنة.

أتمنى على الرفاق في التجمع ان يعيدوا النظر فيما اتخذوه من قرارات، والعودة لدائرة القائمة المشتركة، وتوحيد الصفوف الوطنية، واذا امكن استقطاب القائمة العربية الموحدة، فهذا جيد جدا. لان اللعبة السياسية تحتاج الى تكثيف حدود المناورة والدهاء السياسي للدفاع عن المصالح الوطنية والقومية والمطلبية في آن.

[email protected]

[email protected] 

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار