عزاءنا بنازك بقاءه حيا
نشر في : 26 مايو, 2023 07:31 صباحاً

نبض الحياة

رام الله -كان أعد عشاءه الأخير مع اسرته مساء اول امس الاربعاء، رغم مرارة ووحشة المرض، الذي لازمه لوقت من الزمن، وتعايشه معه مصمما على تحديه، ورغبة منه في تلبية نداء الوطن والفن والابداع والحياة في عزف سمفونيته الأخيرة لتصدح عاليا في فضاء العوالم والسماوات السبع، وتجدد الوفاء لفلسطين العروبة والحرية، وعاصمتها الأبدية زهرة المدائن حيث رآى النور في احد بيوتاتها عام 1942، وارتشفت أذناه الندية اول ترانيم الموسيقى من صوت الاذان في المسجد الأقصى، واجراس كنيسة القيامة، ومن أصوات الباعة في أسواقها القديمة وحاراتها العتيقة، ومن اهازيج النساء والرجال في مواسم الحصاد وصوت الارغول والربابة والعود ليعمق ما تعلمه على يد اساتذته يوسف خاشو ويحيى السعودي وغيرهم من اساطين الموسيقى والطرب، ولرفد نوتاته الموسيقية الموشاة بعبق التاريخ والموروث الحضاري والثقافي لشعبه الفلسطيني العظيم، وشعوب امته العربية بكل جديد ونوعي من الموسيقى، غير ان ملك الموت تعجل الرحيل صباح امس الخميس الموافق 25 أيار / مايو 2023.
رحل امس الموسيقار الفلسطيني العربي الكبير حسين نازك، عن عمر ناهز ال81 عاما في مدينة دمشق العاصمة السورية، التي استقر بها بعد رحلة النزوح من القدس في اعقاب هزيمة حزيران / يونيو 1967 الى عمان العاصمة الأردنية، ثم انتقل الى سوريا عام 1969، التي سكنته وسكنها الى ان وافاه الاجل. عشق الراحل المبدع الفن الموسيقي، وتخصص به هاويا، ثم أستاذا وخبيرا مجددا ومبدعا، وجال في عوالم الموسيقي واللحن بكل دروبها، وان سكنته حتى الثمالة قضيته الوطنية، وحرية شعبه المكافح، فرفد المقاومة الباسلة وصوت الرصاص والكفاح المسلح باوتاره الشجية في تكامل عبقري تجلى في تأسيسه فرقة العاشقين مع الراحل الشاعر والمبدع الكبير احمد دحبور عام 1976، وتولى الاشراف على ادارتها حتى العام 1985، وحلق في بعث روحه الاخاذة بمعزوفات لامست روح الوطن والأمة مع تشكيل فرقة زنوبيا القومية، وعمد موسيقاه في تلحين النشيد الوطني عام 2005.
ولم تتوقف ريشته ولا اوتاره عن العزف يوما، وكان دائم الاندماج والامتزاج مع روح التجديد والتألق والصعود على سلالم الموسقى إلى فضاءات جديدة، رشحته للوقوف على رأس مهمة فنية عظيمة عنوانها جمع واحياء وإعادة تأهيل التراث الفلسطيني الفلكلوري بمختلف عناوينه المكتوبة والمسموعة والمرئية والتأصيل له بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 2015. ولم بحصر ابداعه في حقل موسيقي معين، بل وسع عطائه وتألقه عبر المساهمات بوضع موسيقى والحان العديد من المسلسلات والبرامج التلفزيونية، والمهرجانات الرياضية السورية والعربية أعوام 1976 و1981 و1983 و1987.
كما انه كان على تماس مع المسرح القومي السوري والمسرح الوطني الفلسطيني، ووضع الموسيقى لعشرات المسرحيات، ولحن الكثير من الأغنيات الوطنية للمدن الفلسطينية بالتعاون مع المبدع ناهض الريس، وهو عضو في العديد من المؤسسات والجمعيات، مما أهله للحصول على العديد من الجوائز من أهمها: جائزة افضل استخدام موسيقي للتراث العربي في مهرجان قرطاج عام 1980، والجائزة الأولى لافضل توزيع اوركسترالي لنشيد وطني – بلاد العرب اوطاني، وجائزتين ذهبيتين عالميتين من اليابان لافضل عرض موسيقي ياباني. فضلا عن حصوله على وسام الثقافة والعلوم والفنون من الرئيس أبو مازن، وانتزاعه لقب شخصية العام الثقافية لعام 2023 من وزارة الثقافة الفلسطينية، والتي تمنح كل عام للمبدعين والفنانين الفلسطينيين والعرب بمناسبة يوم الثقافة الوطني.
الفنان الموسيقي المبدع حسين نازك سطر اسمه الى جانب المع الموسيقيين الفلسطينيين والعرب عبر مسيرته الفنية الطويلة، حتى بات علما من اعلامها، وايقونة فلسطينية لتميزه وعطائه واثرائه الإبداعي الكبير والغني لعالم الموسيقى وسكن قلوب أبناء الشعب والأمة المختصين وحتى العامة من المهتمين والمتابعين لعالم الموسيقى والتلحين.
لذا لم يمت نازك، ومازال حيا وحاضرا وبقوة بميراثه الموسيقي، وسيبقى علما من اعلامها، ومدرسة فنية لها سماتها وخصالها واقانيمها، ورافدا من روافدها الشامخة والباقية ما بقيت الموسيقى والحياة حتى حفر اسمه من ذهب خالص في سجل الخالدين، رحم الله شهيد الفن والابداع نازك، ولعائلته وذويه وللعائلة الثقافية والفنية في فلسطين والعالم العربي، أحر التعازي برحيل القامة الباسقة. ولن نقول وداعا نازك، لان الأجيال الجديدة والمجددة للموسيقى الوطنية والقومية ستحي موسيقاه وتعزفها وترفع اسمه عاليا في كل مناسبة وطنية وقومية.
[email protected]
[email protected]