أسباب ازمة مكارثي
نشر في : 09 يناير, 2023 09:10 صباحاً

نبض الحياة

رام الله -يوم السبت الفائت  الموافق 7 كانون 2 / يناير الحالي تمكن النائب الجمهوري كيفن مكارثي من تجاوز عقدة انتخابه رئيسا لمجلس النواب الأميركي، خلفا ل"نانسي بيلوسي" الديمقراطية، في اعقاب فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس إثر الانتخابات النصفية في مطلع تشرين 2 / نوفمبر 2022.
لكن فوز مكارثي بالرئاسة مازال ناقصا. لا سيما وانه يفترض ان يحصل على 218 صوتا. وما حصل عليه، هو 216 صوتا، وبالتالي فوزه تم تقريبا بالتزكية، لانه لم يكن هناك منافس له، وبقيت المجموعة الجمهورية المؤيدة للرئيس السابق دونالد ترامب متحفظة على انتخاب زميلهم الجمهوري، لانها تعتبره ضعيفا، او حسب رأيهم "انه معتدل اكثر من اللازم"، او كما قال النائب مات غيتز عن ولاية فلوريدا "كيفن لا يؤمن بأي شيء، وليست لديه أيديولوجية". وبالتالي لم تكن عملية انتخاب النائب عن ولاية كاليفورنيا سهلة، العكس صحيح، حيث فشل الجمهوريون (14) مرة في تنصيب زعيم اغلبيتهم اربعة عشر جولة مضنية وشاقة، وكان حوالي عشرون نائبا ضد انتخابه، تراجعوا في النهاية نتيجة اخذ ورد الى أربعة أعضاء. وفي الجولة ال(15) حسم الامر لصالحه. ولكنه جاء مكلوما، ويعاب عليه عدم حشده الأصوات المطلوبة.
وهذه ليست المرة الأولى في تاريخ مجلس النواب الأميركي، حيث واجه المجلس بالضبط قبل قرن من الزمان، وبالتحديد في العام 1923 ازمة حادة استمرت قرابة العام ونصف نجم عنها بقاء المجلس دون رئيس. والازمة الجديدة في انتخاب رئيس المجلس تعود لاكثر من سبب، منها أولا ضعف مكانة مكارثي. رغم ان اغلبية الجمهوريين صوتوا له؛ ثانيا الازمة العميقة داخل الحزب بين الجناحين المتطرف والمعتدل؛ ثالثا تأثير سياسات الرئيس ترامب وحلفائه داخل الحزب؛ رابعا عدم طرح تيار الافنجيليكان بديلا مقنعا أيضا؛ خامسا الأداء الضعيف للجمهوريين في الانتخابات النصفية.
وكان تعهد الجمهوريون استخدام السلطة المضادة، من خلال اطلاق سلسلة من التحقيقات مع الرئيس الأميركي السابق، عنوانها الأول تركز على فشله في معالجة ازمة وباء "كوفيد 19"، وغيرها من القضايا، مثل اقتحام أنصاره للكونغرس، وغيرها من الازمات، التي هددت وحدة ومكانة الحزب الجمهوري، ومازالت حسب تقديرات العديد من المراقبين الاميركيين.
وخلال جولات الحوار مع خصومه الترامبيين، سعى كيفن لتجسير المسافة معهم من خلال تقديم ضمانات لتعديل موقفهم من انتخابه، وتجاوزا لعرقلة توليه رئاسة المجلس، وخشية عدم تمكنه من تفادي عقدة 2015 عندما فشل بفارق ضئيل في ان يصبح رئيسا لمجلس النواب. بيد ان حدود مناورته كانت أيضا محدودة، لانه لا يستطيع الذهاب معهم بعيدا في توجهاتهم، كما لا يستطيع الابتعاد عن تياره المعتدل والمؤيد له.
ومع ان حدود مناورته كان ضيقا، تميز في نقطة قوة على خصومه تمثلت في عدم وجود منافس قوي، وبقي التداول محصورا باسم النائب جيم جوردان، من ولاية اوهايو، مع ان حظوظه ضعيفة، مما سهل أخيرا عليه تجاوز عنق الزجاجة والوصول لسدة رئاسة المجلس ب216 صوتا، أي اقل بصوتين من العدد المطلوب لفوزه.
مع ذلك ستبقى الولايات المتحدة تعاني من التجاذب بين الجمهوريين والديمقراطيين. لا سيما وان الجمهوريين حصلوا على الأغلبية في مجلس النواب، ولكنهم فشلوا في الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبقيت بيد الديمقراطيين، وهذا بدوره سيصعب الامر على المجلسين من تمرير مشاريع القرارات الكبرى مثل الموازنات. كما لن يتمكن الجمهوريون من مساءلة الرئيس جو بايدن.
وكما هو معروف فإن رئيس مجلس النواب يحتل المركز الثالث من حيث الأهمية بعد الرئيس ونائب الرئيس، وفي حال شغر المركزين يتولى هو الرئاسة. لكن هذا يحتاج الى رئيس مجلس نواب يملك الكاريزما والأهلية السياسية لذلك، وعلى ما يبدو مما جرى، ان مكارثي لا يملك هذه المواصفات، وبالتالي ليس سهلا عليه بلوغ ذلك الهدف.
اضف الى ان الديمقراطيين نأوا بأنفسهم عن التدخل في انتخاب الجمهوريين رئيسا لمجلس النواب، مع انه كان بإمكانهم ان يتدخلوا بشكل غير مباشر في التأثير بإطالة ازمة مكارثي خاصة والجمهوريين عامة. لكنهم لم يفعلوا.
في كل الأحوال الازمة الجديدة ليست وليدة اليوم، انما هي امتداد لكل الازمات العميقة التي تعيشها الولايات المتحدة، وتعكس ترهل الحياة الحزبية في الحزبين، الامر الذي يفرض على القوى الجديدة والباحثة عن دور في صناعة السياسة الأميركية، واخراجها من التداول البائس بين الجمهوريين والديمقراطيين اقتناص الفرصة للصعود الى مسرح الحياة السياسية، والتقدم خطوات نوعية للامام.
[email protected]
[email protected]