رسالة لغوتيريش بشأن الصك
نشر في : 02 اغسطس, 2022 10:43 صباحاً

نبض الحياة

رام الله -السيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أتوجه لكم من موقعي كلاجىء من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذي دفع، ومازال يدفع ثمنا غاليا وباهضا من التضحيات الجسام نتاج النكبات المتتالية، التي لحقت بي وباسرتي وشعبي منذ صادقت عصبة الأمم على صك الانتداب قبل مائة عام بالضبط، أي في 24 تموز / يوليو 1922، الذي شرعت من خلاله تلك المنظمة الأممية وعد بلفور المشؤوم الصادر عن وزير خارجية بريطانيا، جيمس ارثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، الذي تبنت فيه المملكة المتحدة بالتكامل والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الرأسمالي عموما بإقامة ما سمي ب"وطن قومي لليهود" دون وجه حق، وقبل ان تتولى بريطانيا الانتداب على فلسطين العربية، وتنفيذا لاساطير وخزعبلات دينية وميثولوجية لا أساس لها في الواقع، وعلى حساب وانقاض نكبة شعب فلسطين العربي المتجذر في ارض وطنه الام منذ الاف السنين قبل ولادة الديانات السماوية الثلاث وبعدها.

مع ان تلك المنظمة الأممية وجدت لتأمين حق تقرير المصير للشعوب، ولضمان السلام بين الدول والشعوب. بيد انها فعلت العكس، وارتكبت جريمة مازالت تداعياتها تنتج نكبات وجرائم حروب في متوالية هندسية، لم تتوقف حتى اليوم، عندما تبنت ذلك الوعد المشؤوم، والاساطير اللاهوتية التي لا تستقيم مع اهداف العصبة، ولا الخلفية العلمية التي قامت عليها. وللأسف لم يتوقف الامر عند حدود ما ارتكبته العصبة المنحلة مع اشتعال الحرب العالمية الثانية نهاية ثلاثينات القرن الماضي، وانما تبنته منظمة الأمم المتحدة مع تأسيسها في العام 1945، وورثت تلك الجريمة، وعملت على تنفيذها من خلال المصادقة على قرار التقسيم الدولي 181  الصادر في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر1947، مع اعترافها بدولة الاستعمار الإسرائيلية على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ليس هذا فحسب، بل انها تواطأت مع دول الغرب الرأسمالي وحلفائها في الإقليم حين لم تف بالقسم الثاني من القرار 181، الداعي لاقامة الدولة الفلسطينية. رغم الغبن التاريخي الناجم عن القرار الاممي، ولم تكفل حتى اللحظة عودة اللاجئين لديارهم، مع انها اقرنت قرار عودتهم بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية المارقة وغير الشرعية..

السيد غوتيرش المحترم

المنظمة الأممية التي تقفون على رأسها منذ مطلع العام 2017 حتى اليوم، شاهد اثبات من خلال مئات القرارات الأممية، التي أصدرتها، ولجان التحقيق التي شكلتها لمساءلة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، أداة الغرب الراسمالي في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير عن جرائم حربها، التي ارتكبتها وترتكبها على مدار الساعة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ودون وازع أخلاقي او قيمي او قانوني، وبعيدا عن المساءلة الأممية، لانها محمية من الولايات المتحدة الأميركية، وتغطي جرائمها من خلال هيمنتها وجبروتها وغطرستها على القرار السياسي الدولي، وحرمان الأمم المتحدة من تنفيذ أي من قراراتها الأممية ذات الصلة بقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ 75 عاما خلت واكثر.

مع ذلك هيئة الأمم المتحدة التي تتولون منصب الأمين العام فيها، وهو الموقع الأول، تورطت وغرقت اكثر فاكثر في متاهة وراثتها لصك الانتداب الاجرامي بكل ما فيه من مواد منافية لروح ونصوص القانون الدولي والمعاهدات الأممية ذات الصلة بالحروب والاستعمار وحق تقرير المصير للشعوب، وبمخالفته الواضحة لمبادىء حقوق الانسان التي تبنتها منظمتكم الأممية. ومازالت هيئة الأمم تطأطأ الرأس امام الولايات المتحدة ومن لف لفها من الدول، وتغض النظر عن جرائم دولة الابرتهايد الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، التي تمارس البلطجة بعيدا عن روح القانون الاممي، وتتعامل بازدراء وتجاهل لمنظمتكم الأممية التي كفلت وجودها تنفيذا للصك اللا انساني، والمجحف بحق ابسط معايير العدالة الإنسانية والسياسية. لان الإدارات الأميركية المتعاقبة شكلت الغطاء لوحشية الدولة الصهيونية المارقة والخارجة على القانون.

المحترم غوتيرش

الان وبعد مائة عام على صك الانتداب اللا قانوني واللا أخلاقي والاجرامي تملي الضرورة السياسية والقانونية والمسؤولية الأممية التي تتولونها، منكم شخصيا ومن هيئة الأمم المتحدة عموما العمل على انصاف الشعب العربي الفلسطيني عبر الاتي:

أولا الإقرار والاعتراف بخطيئة تبني صك الانتداب ووراثته من عصبة الأمم.

ثانيا الاعتذار للشعب العربي الفلسطيني عن جريمة الصك وتداعياته خلال القرن الماضي.

ثالثا اعتبار هذا العام هو عام اسقاط وإلغاء الصك المشؤوم، ومن خلاله وعد بلفور البريطاني، وتنظيم الفعاليات الأممية لتحقيق ذلك بالاستفادة من الأغلبية الأممية المؤيدة والداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية

رابعا عقد جلسة خاصة للأمم المتحدة خلال العام الحالي لدعم كفاح الشعب الفلسطيني والاعتراف الكامل بدولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين وفق القرار الدولي 194، والعمل على تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي 2334 الصادر في 23 كانون اول / ديسمبر 2016، وتأمين المساواة الكاملة لابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.

خامسا اعتماد قرار اممي يعيد التأكيد على ان الحركة الصهيونية، هي حركة رجعية وعنصرية، من خلال إعادة الاعتبار للقرار الاممي 3779 الذي تم الغاءه عام 1990. وأيضا تبني ما أصدرته منظمة العفو الدولية "امنستي" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من الهيئات والمنظمات الإسرائيلية المؤيدة للسلام والعدالة من ان إسرائيل دولة فصل عنصري وتطهير عرقي، مع ما يستلزم الامر من فرض عقوبات اممية ضدها والزامها باستحقاقات السلام الممكن والمقبول وفق قرارات الشرعية الدولية.

سادسا تحديد يوم الثاني من تشرين ثاني / نوفمبر من كل عام يوما لمناهضة الاستيطان الاستعماري الاسرائيلي، ويوما للاعتذار والغفران من الشعب الفلسطيني على تبني صك الانتداب الاجرامي، ومن خلاله وعد بلفور المشؤوم.

سابعا تبني القضايا الفلسطينية المرفوعة لمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وتشكيل غطاءا امميا لها حتى تتم محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على جرائمهم الموثقة.

ثامنا الاستفادة من اللحظة الدولية الراهنة مع مطالبة دول الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بدعم حرية استقلال الدول، وضمان حق اللاجئين بالعودة لبلدانهم التي طردوا منها، وتبني حق تقرير المصير، لتحقيق اكثر من هدف، الأول التخلي عن سياسة الكيل بمكيالين تجاه الشعوب؛ والثاني تطبيق تلك القرارات على الشعب العربي الفلسطيني والعمل على انصافه سياسيا وقانونيا وانسانيا.

السيد الأمين العام للأمم المتحدة

هناك الكثير مما يمكن ان تساهموا به لاعادة الاعتبار لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ورفع الغبن والظلم التاريخي، الذي سببه الصك والوعد المشؤومين، وصناعة السلام المقبول، ومن خلال ذلك دخول التاريخ من أوسع ابوابه. لا سيما وان اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم تسمح لكم بتحقيق تحول نوعي في مجرى التاريخ ومسار عملية السلام على ارض فلسطين ولصالح شعبها، الذي مازال يعيش نصفه تحت الاستعمار الاسرائيلي الاجرامي والارهابي العنصري، ونصفه الاخر في بلدان المنافي والشتات. ونقطة البدء تتمثل بالاعتراف بجريمة تبني الصك الأسود، والاعتذار عنه مباشرة.

وشكرا لكم

اللاجىء الفلسطيني

عمر حلمي الغول

[email protected]

[email protected]