لماذا يخشى الاحتلال علم فلسطين؟
نشر في : 18 مايو, 2022 06:16 مساءً

نابلس-زهران معالي-على طول الطريق الرئيس الممتدة على مسافة ثلاثة كيلو مترات في بلدة حوارة جنوب نابلس، ينتشر جيش الاحتلال الإسرائيلي بنقاط عسكرية ثابتة وأخرى راجلة منذ أشهر، وتركزت خلال الـ24 ساعة الماضية، لمنع أهالي البلدة من إعادة تعليق الأعلام الفلسطينية، بعدما انتزع أحد المستوطنين أحدها ظهر أمس.

وأظهر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، مستوطنا من مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي خمس قرى وبلدات جنوب نابلس، يوم أمس أثناء تسلقه على أحد الأعمدة في الشارع الرئيس في بلدة حوارة وإزالته للعلم الفلسطيني، في خطوة أثارت استفزاز ومشاعر المواطنين.

وبعد أقل من ساعة أعاد أهالي البلدة والقرى المجاورة تعليق الأعلام الفلسطينية على الأعمدة والمحلات التجارية في حوارة، إلا أن جيش الاحتلال عاد وانتزعها ونشر آلياته العسكرية، لمنع الأهالي من إعادة تعليق، وفق ما يوضح الناطق باسم حركة فتح في حوارة عواد نجم.

ويشير نجم لـ"وفا"، بأن قضية تعليق الأعلام باتت تحد وطني واضح بين أهالي حوارة والقرى المجاورة والاحتلال والمستوطنين، مؤكدا أن الفعاليات الوطنية في البلدة ومؤسساتها والقطاع التجاري، اتخذت قرارا وطنيا جماهيريا بأن يكون العلم الفلسطيني رمزا للبلدة طوال العام.

"الاحتلال والمستوطنون يحاولون أسرلة حوارة، وكأنها منطقة ذات طابع إسرائيلي، وذلك عبر منع المظاهر الوطنية التي تكرس الهوية الفلسطينية، إلا أننا سنعيد تعليق الأعلام مهما كان الثمن" يضيف نجم.

ويوضح أن الاحتلال نشر قرابة 20 آلية عسكرية على شكل حواجز ثابتة وأخرى راجلة في الشارع الرئيس بالبلدة ونقاط عسكرية على أسطح المنازل، ويؤمن الحماية للمستوطنين لتنفيذ اعتداءاتهم، وقمع أي محاولة من الفلسطينيين لصد تلك الاعتداءات.

وينوه نجم إلى أن العلم الفلسطيني هوية الفلسطينيين، وأن الاحتلال ومستوطنيه يسعون إلى محوها عبر إزالته ومنع تعليقه، خاصة بعد أحداث القدس العاصمة وفرض العلم الفلسطيني فيها، خلال جنازة الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة.

وعلم فلسطين هو رمز الدولة الفلسطينية ومظلة الشعب الفلسطيني، وهو راية استخدمها المواطنون منذ النصف الأول من القرن العشرين للتعبير عن طموحهم الوطني، كما استخدموا العلم في إشارة للحركة الوطنية الفلسطينية عام 1917، وفي عام 1947، فسر حزب البعث العربي العلم كرمز للحرية وللوحدة العربية.

وأعاد الفلسطينيون تبني العلم في المؤتمر الفلسطيني في غزة عام 1948، حيث تم الاعتراف به من قبل جامعة الدول العربية على أنه علم الشعب الفلسطيني.

وفي الاجتماع الأول في (28-5-1964) وضع المجلس الوطني الفلسطيني ميثاقه القومي، ونصت المادة (27) منه على أن يكون لفلسطين علم وقسم ونشيد، وحددت ألوانه بالترتيب كالتالي: أخضر فأبيض ثم أسود مع مثلث أحمر على يساره.

وفي (1-12-1964م) وضعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نظاما خاصا بالعلم يحدد مقاييسه وأبعاده، وحلّ اللونان الأسود والأخضر كل محل الآخر.

ومع انطلاق الثورة الفلسطينية في 1/1 1965 اتخذت العلم شعارا لها. وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية العلم ليكون علم الدولة الفلسطينية.

ولما للعلم من رمزية سياسية، كان هناك حرص بالغ وحثيث عليه من أعلى المستويات، وتم إصدار مرسوم رئاسي يحمل الرقم (29) لسنة 2005 بشأن تحديد أبعاد العلم بتاريخ (3-12-2005) وفي (22-12-2005) صدر قانون حرمة العلم الفلسطيني رقم (22 لسنة 2005) يحدد ألوان العلم ومقاييسه، وكيفية احترامه وأين يرفع والعواقب لمن يخالف أحكام القانون.

وسعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى محاربة الرموز الوطنية الفلسطينية، ولعل العلم الفلسطيني أبرزها حيث أقرت قانونا يحظر علم فلسطين عام 1967 ويمنع إنتاج أعمال فنية تتكون من ألوانه الأربعة، وطوال مسيرة النضال الفلسطيني استشهد وجرح واعتقل مواطنون من أجل العلم الفلسطيني، خاصة خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.

ويحاول المواطنون خاصة في مدينة القدس المحتلة رفع العلم الفلسطيني كشكل من أشكال مواجهة ومقاومة الاحتلال، في إشارة منهم للتحدي والصمود، وإثبات الهوية الفلسطينية للمدينة المقدسة، رغم كل محاولة التهويد والأسرلة التي سعى الاحتلال إليها على مدار سنوات الاحتلال.

وعادة ما تقمع سلطات الاحتلال رفع المواطنين للعلم خاصة بالقدس المحتلة والأراضي المحتلة عام 1948، بالضرب والتعنيف والاستيلاء على العلم، والاعتقال في حالات كثيرة، ولعل جنازة الشهيدة أبو عاقلة كانت أكبر دليل على جنون الدولة النووية التي تخشى علما.

وكتب الكاتب السوري جورج كدر في مقالة حول جنازة أبو عاقلة، بأن "إسرائيل تنبهت بسرعة لكل تلك الرمزيات في جنازة شيرين وفرضت لاءاتها شرطا لدفن الجثمان: لا لرفع الجثمان على الأكتاف، لا لرفع العلم الفلسطيني، لا لرفع هتافات تندد".

وتابع: "ثم جاء المشهد الذروة، جثمان شيرين على الأكتاف وعلم وهتافات تندد، جن جنون القطيع العسكري، وصار العلم الفلسطيني في نظر الإسرائيلي كأنه قطعة قماش حمراء يحملها مصارع ثيران ليهيج بها الثور، فهاجت الثيران، تعاملوا مع العلم الفلسطيني والكوفية وكأنها كائن من لحم ودم، وهي كذلك، هاجموا التابوت وحاولوا تدنيسه بإسقاط جثة شيرين منه لتحطيم قدسية المشهد، تكالبوا على المشيعين الأبطال: لم يسقط التابوت… لم يسقط التابوت".

وكان الرئيس محمود عباس، قد أصدر قرارا برفع علم دولة فلسطين فوق مقرات مؤسسات دولة فلسطين الحكومية الرسمية المدنية والأمنية وعلى المرافق العامة يوم 15/5/2022، إحياء للذكرى الـ74 للنكبة.

كما أهابتِ الرئاسة بأبناء الشعب الفلسطيني، الوطن والشتات، بمؤسساته الخاصة والأهلية والمحلية، رفع العلم الفلسطيني إحياءً لهذه الذكرى الأليمة، وتعبيرا عن وجود الشعب الفلسطيني ووحدته وإصراره على نيل حريته واستقلاله، وتأكيدًا على ما يمثله العلم الفلسطيني من رمزية وطنية وتاريخية يعتز بها في كل أماكن تواجده في الوطن والخارج.