" الفاسدون والاحتلال سِْيَّانِ "

25 اكتوبر, 2018 10:05 صباحاً
الدكتور / جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

القدس عاصمة فلسطين - الولايات المتحدة الامريكية وبعد نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، كانت تملك جاسوسا روسياً يعمل مستشارا للرئيس الروسي في ذلك الوقت، وان المثير في الدهشة أن هذا الرجل لم يقتُل رجلا روسيًا، وكان من أكثر السياسيين السوفيات تفانيًا، واخلاصا في العمل، والجميع تفاجأ عندما تم كشف أن هذا الرجل، هو جاسوس للمخابرات الامريكية ولكن لم يجدوا أي شيء يدين هذا الجاسوس الروسي؛ وعندما أعطوه الأمان بعدم قتلهِ، وكان قد صار طاعناً، وكبيراً في السن؛ فسألوه عن ما هو عمله الذي كان مكلف به من المخابرات الامريكية قال: "إن عمله كان يقوم على أساس (وضع الرجل المناسب في المكان الغير مناسب) فكنت أتي بالمهندس الزراعي وأضعه في وزارة المالية، وكنت أتي بالطبيب وأضعه في وزارة الصناعة".!!!؛ وهذا الشيء ساعد كثيرًا في تفتُت واضعاف الاتحاد السوفياتي السابق؛ وانهيارهُ، لان المهندس لا يفقه شيئا بالطب، والمحاسب لا يفهم شيئا بالصناعة... فإذا أردت أن تُدّمر مجتمع بأكمله فعليك أن تجعل هذا المجتمع يّعِجُ بالفساد، ويّغطُّ بالُظِّلم، واِنُّشر الرذيلة بينهم، وابّعِدهُم عن الفضيلة، ومحاسن الأخلاق، وحينما يكون الغش نَهجهم، والرشوة دربهم، والكذب، والنفاق شعارهم، وقُل سلامٌ علي الدنُيا، وعلي الدُنيا السلام، إن وضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب، وارتفع مقام الوضيع، وتم تهميش الفاضل، وتعيين الفاسد، ووسد الأمرُ لغير أهله، وحكم "الرويبضة"، أي التافه من الرجال يتكلم في أمور عامة الناس؛ وما تضيع الأوطان إلا حينما يعُم الظلم والفساد، والجهل، والمرض، والظلم، ويطغي علي الوطن أصحاب الفكر الحزبي الضيق (التكفيري)، وأدعياء الدين والإسلام، وخطباء الحزب والهوي، ويظلم ويهمين ويسيطر ويُعربد الأمير، والحاكم، والسلطان!؛ ويكون الفسادَ أشد فتكاً حينما يكون قد أخذ شكلاً رسمياً، وتموضع بصورة هيكلة سواء أكان ذلك التموضع في جسمِ حُكومي، أو في الكيان الاقتصادي، أو السياسي، أو الحزبي، أو الفصائلي، فيصبح كالسرطان الخبيث ينتشر في الجسد انتشار النار في الهشيم؛؛ ولقد اّبتُلِيتْ بعض الشعوب العربية، والإسلامية عموماً، ونحن في فلسطين خصوصاً ابتلينا بالاحتلال، وبالانقلاب الأسود في غزة، وكان البلاء الأعظم من النكبة نفسها عبر صعود بعض رؤوس من الجُهلاء، والفاسدين، وقد أصبح لهم جذور، وشروش ضاربة في الأرض، من خلال اختلاسِهم المال العام، وينعمون بحماية من خلال مراكزهم المرموقة، فمنهم من صار تاجراً أو مناضلاً أو مجاهداً بالاسم فقط، والحقيقة أنه فاجراً، وامبراطوراً في الفساد، ويقال لبعض السارقين أميراً، أو مِلكاً، أو سعادة الوزير، أو الخليفة أو السلطان الخ...؛ وقد يهلل لهم البعض، ويطبل!؛ وهم قد انغمسوا من أخمص أقدامهم إلي أعلي رؤوسهم بالفساد والسرقة، والمحسوبية، والتبذير، والرشوة، واتصفوا بسوء استخدام الموارد العامة، والتعيين عندهم في الأماكن الحساسة المرموقة إلا من خلال المحسوبية – وتجد منهم من يغش، وغيرهِ مُرتشي، وهناك من ينصب ويحتل ويكذب، ولا يحمل أي مؤهل علمي يؤهِلُه لتولي منصب في الدولة؛ ورغم ذلك تجدهُ يعتلي أعلي المناصب، تحت اسم الأخ القائد أو المناضل، أو الأخ المجاهد، أو الرفيق، وتجد عندنا في وطننا العربي ابن الوزير، وزيراً، وابن الأمير أمير، وكذلك زوجته سيدة المجتمع، وبناته في أرفع مقام، ويأكلون ما لد وطاب، وغيرهم بالكاد يجد قوت يومه!؛ وكل ذلك ما هو إلا نتيجةُ فسادٍ مزمنٍ متأصل في هيكل بعضاً من النظام السياسي العربي عموماً، ومتجذر في صميم تلك الدول والحكومات والممالك، وفي فلسطين لسنا بأفضل منهم!؛؛ وحتي تجد عند الأمُة العربية رئيس دولة يبقي علي سدة الحكم كرئيس للدولة، وقد أصبح لا يقوي علي الوقوف علي قدميه، ويتم تنقله علي كرسي متحرك!! فهل عجزت الأرحام أن تنُجِب مثله؟، وهل هو أفلاطون زمانه!؛ لذلك فإن العامل الأساسي في إعادة إنتاج فساد نظام الحكم، هو استدامته التنقيع في كل شيء، وخاصة في القيم الاجتماعية، وخاصة لأصحاب الحزب، وغالباً ما تمنحُ تلك الأحزاب والحركات السياسية، والأحزاب التي تدعي الإسلام تفويض ومبايعة للنخب الحاكمةَ لتكون أداةً استراتيجيةً للسيطرة على كل شيء؛ فالفاسدون اليوم غالباً ما يتسلقوا كالصوص ليسيطروا علي المناصب العليا؛ وذلك علي حساب الشرفاء، ويتحكمون بمصير الناس من خلال تموضعهم في المراكز الحساسة، وهم والاحتلال وجهان لعلمة واحدة، فالفساد يدمر الأوطان، كما هو الاحتلال يغتصب الأرض ويسرق كل شيء؛؛ لذلك يتوجب علي الجميع محاربة الفساد والفاسدين وكشف الستار عنهم؛ لأن الفاسدين اليوم، أصبحوا يتفاخروا بفسادهم، بكل صلف ووقاحة، ولننظر لحال بلاد الغرب وكيان الاحتلال، يحاسبون الفاسد فوراً، بل رأينا بعض الشعوب الاوربية والغربية ألقت في وزير فاسد في حاويات القمامة!؛ ونري كيف يحاكم المجرم نتنياهو وزوجته علي حصولهم علي بعض الهدايا!؛ بينما في دولنا العربية يسرق السارق حتي يتكرش بطنه فيصبح بغير رقبة، ولا حسيب ولا رقيب، وناهيك عن عمليات غسيل الأموال القذرة، وأصبح بعض تجار المخدرات يلبسون البدل الفخمة، ويركبون السيارات الفارهة، وقد تغطت تجارتهم بلباس التجارة الشرعية!؛ في ذات الوقت تجد إقصاء مُتعمد، وتجاهل للعلماء والمفكرين، والمناضلين الحقيقين من أصحاب المهارات الكبيرة؛ مما يزيد من حلقة الفساد أكثر ويجعل له رواسي في الأرض،، وحينما تنعدم الديمقراطية، والعدل ولا تجري انتخابات، ويكون غياب كامل للرقابة، وللقانون، يتعزَّز الفساد، وتزيد الهفوات، والتجاوزات والانتهاكات، ويتسع الفساد الحزبي، والفساد في بعض النخب فُتهيمن على كل شيء، وتسرق بدون رقيب أو حسيب؛ وبذلك يعُشعش الفساد وتصبح خطورته كالاحتلال ولا فرق بينهما؛؛ والفاسدون اليوم يستقوون بما يملكون من أموال، ومواقع كبيرة، ويعتبرون أنفسهم فوق القانون والمحاسبة، وكل ما نحن فيه أخبر عنه النبي صل الله عليه وسلم قبل أكثر من الف وأربعمائة عام حينما قال عليه أفضل الصلاة والتسليم: " «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري، وإذا صار الحفاةُ العراةُ رعاءُ الشاءِ - وهم أهلُ الجهل والجفاء - رؤوسَ الناس، وأصحابَ الثروة والأموال، حتّى يتطاولوا في البنيان، فإنَّه يفسد بذلك نظامُ الدين والدنيا" ونحن نعيش اليوم هذا الزمان؛ وكذلك لا تقومُ السَّاعة حتى يصيرَ العلمُ جهلًا، والجهلُ علمًا"، و جاء في الحديث «إن من أشراط الساعة أن يُوضع الأخيارُ، ويُرفع الأشرارُ»؛ فنحن نعيش اليوم كل ذل؛؛ فلن ينتهي الاحتلال عن فلسطين، واغتصاب خيرات وقرار العالم العربي والإسلامي، لن يكون مستقلاً ولن يرتقي ويتقدم، ويتطور إلا حينما يرجع لما خلقوا له وهي مهمة الخلافة في الأرض بتطبيق شرع الله عز وجل الوسطي، وحينما نحتكم للعدل فيما بيننا، وحينما نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ونتحاب فيما بيننا، وسوف ننتصر حينما ترتفع راية الوطن عالية، علي راية الحزبية المقيتة، وحينما نرفع العلماء الُفضلاء، وأهل العلم ويوضع كل إنسان في مكانه ومقامه المناسب له.

الكاتب الباحث المفكر العربي واسلامي والمحلل السياسي.

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار