﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾
09 نوفمبر, 2024 11:03 صباحاًغزة - كُنتم في مرحلة من مراحل حياتُكم الدُنيا، تَعِّيشُون، وتَحيُون فيها في بَحبوبةٍ من العيش، كرامًا أبرار، على الرغم من وجود المُحتلين الغاصبين الكفار الفجار أهل النار!؛ وكان يوجد في الوطن شيئًا نسبيًا لا بأس فيه من الأمن، والأمان، والاستقرار. وكانت عجلة الحياة، والأيام تدور باستمرار، وتمُرْ، وتحُور، وتمُور، وتسير ما بين يسيرٍ، وعسير، وسرورٍ، وشرور، ما بين كبيرٍ وصغير، وكُل ذلك يَعبرُ، وعابر، مُتعاقب كالليل، والنهار، وكالأيام فيه النور، والظلام، والعبر، والعبير والعبور، وفيها الغابر، والصابر، والمُثابِر والمُكابِرُ، ومن رحلوا عنا إلى المقابر، ومن بقوا في الدار، ومن ارتحل من الديار وهاجَرْ من كثرة الفقر، والضَّجرْ!؛ ويكأنه تحمل، وحمل في وطنهِ الصخر، والحجر؛ بسببِ ظُلم وقع عليه من بَعضِ بني جلدتهِ من البشر الأشرار، الفُجار!؛ والبعض الآخر من البشر في وجهِ تباشيرُ خيرٍ، وبِّشْر، صَبوحٌ مؤمنٌ تقيٌ نقيٌ صبُور ولهُ جمالٌ جميلٌ مثل الحرير صَابرٌ، ومُصابِرٌ على المُر مُحتسب، حُرٌ لا يضُرْ، دمثٌ الأخلاق أمير يُحب البناء، والتعمير ويبتغي الثواب، والأجر في الدار الآخرة من الله الخالق الجبار، الصبور، الشكور، المصور البصير، الخبيرُ، الودود الغفور. إن المُتقين في جناتٍ، ونهر، في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر؛ وفي يوم المحشر الكُل وجلٌ ينتظر الدور ليكلمهُ الله رب العالمين ربُ البشر في يَومٍ عَبوسًا قمطريرًا، على المجرمين المشركين شره مُستطيرًا؛ وأما المُتقين فجزاؤهم بما صبروا جنة وحريرًا وسقاهُم ربهم شرابًا طهورًا؛ ونحن نتقلب في الدنيا الفانية، تطوينا الأيام، والشهور، والسنينُ طيًا كطي السجلٍ للكُتب، ما بين ماضٍ من الزمانِ، وآتٍ؛ ولقد كانت الحياة اليومية في فلسطين، والأقصى، والضفة، وخاصة قطاع غزة لا نقول كانت الحياة وردية، وإنما عادية ماشية بحلوها، ومُرها، شبه طبيعية، وفيها بعض الراحة النفسية، فكُنا نرى، ونشارك بعضنا بعضًا في الأفراح، والليالي الملاح، والسهرات العادية، والإسلامية، وكانت مُستمرة تسيرُ طبيعية بصورةٍ شبه يومية، وكان طُلاب المدارس، والجامعات، والموظفين، والتُجار، والشركات، والمؤسسات الأهلية، والمحلية، والاجتماعية الحكومية، والغير حكومية تسير بالسوية؛ وكانت المناسبات متواصلة بين الناس، وورش العمل، والندوات، والمؤتمرات الدورية، والعلمية، وتقام الاحتفالات الجامعية بمناسبة ذكرى تخرج الطلاب السنوية، وكانت المساجد عامرة بالمُصلين في كل فريضةٍ من الفرائض الخمسة اليومية، وكانت الولادات للأطفال تسير بصورة طبيعية، ويومية، والمُستشفيات تشتغل بحُرية بِكل أرياحية، وكان الاستيراد، والتصدير يسير بكل يُسرٍ، وتيسير، والحياة فيها الكثير من الأيام الجميلة، وكذلك بعض المنغصات اليومية!؛ ولم تكن كل الوقت الأمور وردية!؛ ولكنها كانت تسير بصورة طبيعية؛ وكان بحرُ غزة الجميل جمال جَليل، كأحسنِ خليل لهُ جمال خلاب، تُزينهُ زُرقةُ المياه فتأخذُ الألباب، خاصة حينما يحلُ غروب شمسُ الأصيل في فصل الصيف، فترى بريق الماء يلمع كـأنهُ اللؤلؤ، والمرجَان؛ وأجمل ما في ذلك كذلك اجتماع الأهل الأحبة والأصحاب، والأحباب، وشوي اللحوم، والأسماك الطازجة على شاطئ غزة الساحِر الفاخِر، خاصة بعدما تبين أن شاطئ بحر غزة في باطنهِ كنوز كبيرة، فيها الكثير من الغاز الطبيعي الوفير؛ فكانت أيام غزة على البحر جميلة مع لمة الأُسر. وكانت مولات غزة التجارية الكبيرة، فيها عروض مُغرية كثيرة، وتُعج بالبشر، وخاصة في المناسبات والأعياد كانت غزة تتزين بأجملِ حُلتها فَتَّسُر الناظرين، على الرغم ما كان فيها من بطالة، وفقراء، وفقر أوجعها، وأفجعها، وصعاب جمة يعاني منها غالبية الشعب!؛ ولكن شعب الجبارين الصابرين المحتسبين يمزح بين حلوها، ومرها، وبين الألم، والأمل. كانت غزة في عيون شعبها أجمل المُدن، وأغلبهم هُم أصلاً من اللاجئين الفلسطينيين من أراضي فلسطين التاريخية المغتصبة والمحتلة منذ عام النكبة 1948م، لقد كانت غزة في عيون أبنائها الثُوار أيقونة المدن ببحرها الهدار؛ وبِشعبها الباسِل المغوار، الذي أصر على أن يُكِملِ المشوار، مشوار رمز الثوار الشهيد البطل القائد تاج الأحرار القائد الياسر الرمز أبو عمار بِكل عزيمة وإصرار رغم عدوان العدو الكبير، وكل الدمار!.
ورغم القلة، والعوز كان الشعب يعيش، وكلٌ منا له في قطاع غزة دارهُ، ومسكنهُ الذي يأويه؛ وكانت الحياة بعد سنوات الانقلاب الغادر المرير المُر صعبة على الشعب، ولكنها تسير!؛ على الرغم من تواصل الانقسام الفلسطيني البغيض المعيب المُضُِّر كالضرير!؛ والأمَرُ لم يكن على الشعب باليسير، وكانت حكام حكومة الأمر الواقع الجبري في غزة تحكم الشعب بعد عام 2006م، من غير تيسير، وتسمع الكثير من الشعب المظلوم يرفع يده للسماء يدعو على الظالمين قائلاً حسبنا الله ونعم الوكيل!؛ وكان فرض الضرائب متواصل، والظلم في المحاكم مُستمرٌ، والشر مُستطِّرْ، ويزيد!؛ ورغم كل ما سبق كان الشعب يعيش في وضع الإنسان المستور، والمُجبر، والمجبور، والآمر، والمأمُور؛ وكل ما كُتب، وسبق ما بين السطور؛ يُعيدنا لنقطة الصفر، وهي بقاء المحُتل، والانقسام، وعدم وجود حل عادل، وشامل للقضية الفلسطينية، ورغم ذلك كانت الأوضاع مُستمرة نوعًا ما، كما يقول المثل الشعبي: "ريحة البِّرْ، ولا عدمُهُ"، وكانت الحياة تدور ما بين مدٍ، وجزر وراحةٍ وروحةٍ وغدوة، وفيها نوع من الاستقرار، وكذلك حالة من عدم الاستقرار بسبب المحتلين الفجار الكفار!؛ وتعرض الشعب في غزة للعدوان الصهيوني خمس مرات بعد الانقلاب، والحكم الجبري، والذي تواصل أكثر من ثمانية عشر عامًا كانت عجاف!. وكان في قطاع غزة الأمل، والألم، وأيام سرورٍ، وفرح، ومرح، وكذلك أيام حُزنٍ، وترح، ولكن كان الناس في ديارهم ودورهم متواجدين، وكانت الحياة متواصلة؛ حتى جاء يوم النكبة الثانية للشعب الفلسطيني يوم السابع من أكتوبر من العام المنصرم 2023م، وكان طوفان أغرق، وأحرق غزة، وشل كيانها وأركانها؛ فأحرق المحتلين الأخضر، واليابس، ودُمروا غزة عن بكرة أبيها، فوق رؤوس ساكنيها!؛ وقصف العدو الصهيوني المجرم الجامعات، والمدراس والمستشفيات، والمساجد والدور والمنازل، والقصور، وقصف حتى المقابر ودمرها، وأباد البشر، والشجر، والحجر، ولم يُبقى حجر على حجر، ولم يذر كأنها يوم القيامة لواحةً للبشر!!؛ وأباد العدو عائلات غزية بأكملها ولم يبقى منهم أحد؛ وكانت أيام أشد من أيام قتل أصحاب الأخدود، وأيام أسوأ من حكم فرعون، والنمرود، وربما أشد من يومِ الأحزاب!؛ ولقد مر أكثر من عام على العدوان الصهيوني الوحشي على غزة بكى فيها الرجال الأبطال الرجال، وصارت غزة كل من فيها شهيد يحمله شهيد، يشيعهُ شهيد، شهيد يدفن شهيد، يودع شهيد، والأسيرُ شهيد، وكل من فيها ويكأنهُ شهيد!؛ وتعرضن بعض النسوة الحرائر للاغتصاب!؛ ووجلت القلوب الفلسطينية، واهتزت وزُلزلت من هول وحشية وهمجية وعنصرية عصابات جيش العدو الذي ارتكب مجازر بشعة، وإبادة إجرامية صهيونية جماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني!؛ ولا يزال العدوان الصهيوني الإجرامي متواصلاً حتى اليوم، وذلك بعد مُضي أربعة عشر شهرًا على العدوان!؛ حتى حين كتابة هذا المقال لا تزال المجازر الصهيونية الإجرامية متواصلة خاصة في حق النساء، والأطفال، وكل أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل الصامد المجاهد المرابط المكلوم المنكوب، الصابر المُصابر المثابر؛ وربما تجاوز صبر الشعب الفلسطيني في هذا الزمان صبر سيدنا أيوب عليه السلام؛ فقد جاع الشعب، وجُّوِع، وحًوصر، وعُطِّش، وأكلت القطط، والكلاب جثامين الشهداء، والعالم العربي والإسلامي، وكل العالم يتفرج!؛ ويوجد آلاف من الشهداء تحت أنقاض البيوت، والأبراج المدمرة منذ أكثر من عام لم يتم تكريمهم، ودفنهم، وفقد جُلْ الشعب في غزة المال، والأهل، والدور، والديار، والدار، وكل شيء، وصاروا بلا مساكن نازحين مُشردين منذ أكثر من عام في المدارس، والخيام!؛ وفي نكبة عظيمة لم يشهد التاريخ البشري القديم، ولا الحديث مثيلاً لها!؛ وسالت الدماء، والدموع، ورملت النساء، ويُتِّمْ الأطفال، ومزقت الأشلاء، وقطعت إربًا، وتفرق شمل العائلات وترى في داخل العيون احمرارًا، وكأنها تنزف دمًا بدل الدموع!؛ ولكن حسبنا في كل ما سبق هو أن أغلب الشعب الفلسطيني في كل مكان، وخاصة الشعب في قطاع غزة المذبوح من غير بواكي، ولا نصير لهم قد صبروا، وصابروا، راجين من الله عز وجل أن يدخلهم جنات النعيم، من غير سابقة حساب أو عذاب، وأن يجعلهم ممن ينادي عليهم المنادي يوم القيامة في قوله سبحانهُ تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ العذاب ﴿ بما صبرتم ﴾ بصبركم في دار الدُّنيا عمَّا لا يحلُّ ﴿ فنعم عقبى الدار ﴾ فنعم العقبى عقبى داركم التي عملتم فيها ما أعقبكم الذي أنتم فيه؛ وقد جاء في تفسير الإمام البغوي في كتابِهِ " معالم التنزيل": ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ﴾، أَيْ: يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: يَقُولُونَ سَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْهَا، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ثَلَاثَ كَرَّاتٍ مَعَهُمُ الْهَدَايَا وَالتُّحَفُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، ﴿ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾. يقول أَبِي أُمَامَةَ: "إِنَّ المؤمن ليكون متكأ على أريكته إذا دخل الْجَنَّةَ وَعِنْدَهُ سِمَاطَانِ مِنْ خَدَمٍ وَعِنْدَ طَرَفِ السِّمَاطَيْنِ بَابٌ مُبَوَّبٌ فيقبل الملك مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ يَسْتَأْذِنُ فَيَقُومُ أدنى الْخَدَمِ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ بِالْمَلَكِ يَسْتَأْذِنُ فَيَقُولُ لِلَّذِي يَلِيهِ هذا مَلَكٌ يَسْتَأْذِنُ وَيَقُولُ الَّذِي يَلِيهِ لِلَّذِي يَلِيهِ: مَلَكٌ يَسْتَأْذِنُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُؤْمِنَ، فَيَقُولُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَيَقُولُ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْمُؤْمِنِ: ائْذَنُوا لَهُ، وَيَقُولُ الَّذِي يَلِيهِ لِلَّذِي يَلِيهِ: ائْذَنُوا لَهُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَاهُمُ الَّذِي عِنْدَ الْبَابِ، فَيَفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ"؛ فسلام على كل شهداء فلسطين إلى يوم الدين، سلام عليكم في الخالدين، سلام على الشهداء الأحياء في القدس الشريف، والضفة، "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ" يا أهل غزة فنعم عٌقبى الدار.
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الأستاذ، والمحاضر الجامعي غير المتفرغ/ غزة ــ فلسطين
رئيس الاتحاد العام للمثقفين، والأدباء العرب بفلسطين
واتس/ 93585227
[email protected]