"حرب الإبادة" تقف حائلا أمام طموحات طلبة الثانوية في قطاع غزة
22 يونيو, 2024 12:10 مساءًغزة - سامي أبو سالم-على مقعد دراسي في إحدى الغرف الصفية في مدرسة العائشية في دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس طالبة الثانوية العامة دعاء الزعانين للدراسة، رغم أنها لن تتمكن من التقدم للامتحانات في دورتها الأولى للعام الدراسي 2023-2024، التي انطلقت اليوم السبت.
دعاء، طالبة من بين 39 ألف طالبة وطالب حرمتهم حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 260 يوما، من التقدم لامتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، إما بسبب ارتقاء المئات منهم ضحايا في العدوان، أو لانقطاعهم عن التعليم بفعل الحرب وما تسببت به من تدمير شامل لبنية العملية التربوية.
ووفقا لوزارة التربية والتعليم العالي، فإن 430 من طلبة الثانوية العامة ارتقوا شهداء في قطاع غزة، فيما استُشهد في الضفة الغربية 20 آخرون، خلال العام الدراسي الذي انطلق في شهر آب/ أغسطس المنصرم.
وتشير آخر إحصائية صادرة عن الوزارة، إلى أن هناك ما لا يقل عن 8000 شهيد في قطاع غزة ممن هم في سن الدراسة، و350 شهيدا من المعلمين والمعلمات، فضلا عن المفقودين، وهناك أكثر من 12500 طالب جريح، بينهم 2500 أصبحوا من ذوي الإعاقة.
اضطرت دعاء إلى النزوح مع عائلتها من بلدة بيت حانون إلى مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ومن ثم إلى مدرسة العائشية في مدينة دير البلح التي تتكدس بالنازحين الذين يحاولون البحث عن مكان آمن، هربا من الغارات العشوائية والقصف المدفعي ونيران الطائرات المسيّرة وقناصة الاحتلال، التي طالت أيضا العديد من المدارس وغيرها من مراكز إيواء النازحين.
وتحولت الغرفة الصفية التي تقطن فيها دعاء إلى جانب 30 نازحا من أفراد عائلتها وأقاربها، إلى مخزن للمونة والحطب الذي يُســتخدم في طهي الطعام في ظل شح الغاز، كما عُلّقت على السبورة حقائب تحوي ملابــس وبعض الحاجيات.
وتقول الزعانين لـ"وفا" إنها تفوقت في الصف الحادي عشر وحصلت على معدل 98، وكانت تستعد لمواصلة التفوق في الثانوية العامة لتحصيل معدل يؤهلها إلى الحصول على منحة لدراسة الطب في جمهورية مصر العربية، كما التحقت بدروس متقدمة للغة الإنجليزية، إلا أن الحرب دمرت أحلامها فبات مستقبلها غامضا.
وتضيف: "أشعر بالإحباط، لا أعرف إذا كنت سأتمكن من التقدم لامتحان الثانوية العامة، ولكن حتى لو تمكنت يوما ما فلن أدرس الطب الذي يحتاج إلى سنوات طويلة، بل سأدرس أي تخصص يمكنني من الحصول على وظيفة لأساعد عائلتي على الواقع الصعب الذي خلّفته الحرب في قطاع غزة".
وتشير إلى أنها تستغل بعض الوقت للدراسة، بينما تُمضي أغلبية وقتها في مساعدة والدتها على رعاية إخوتها وأخواتها.
وبحسب وزارة التربية والتعليم العالي، فإن 286 مبنى مدرسيا حكوميا من أصل 307 في قطاع غزة، تعرضت لأضرار تتراوح بين البالغة والطفيفة، فيما طال الهدم الكامل عدداً يقدر بالعشرات.
ودمر الاحتلال قرابة 110 مدارس وجامعات بشكل كلي، و321 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وارتفع عدد المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" المخصصة كمراكز إيواء والتي استهدفها الاحتلال بالقصف، إلى نحو 150 مدرسة، من أصل 228 مدرسة تابعة للوكالة في قطاع غزة.
وقالت "الأونروا" إن أكثر من 76% من مدارس القطاع بحاجة إلى "إعادة بناء أو تأهيل بشكل كبير"، لتتمكن من العمل مجددا، وفقا لمجموعة التعليم العالمية.
وفي بلدة الزوايدة القريبة من دير البلح، يقطن الطالب بهاء عبد المحسن مسعد في خيمة مصنوعة من البلاستيك مع عائلته، في ظروف ازدادت صعوبة مع ارتفاع درجات الحرارة. ونزحت عائلة بهاء من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، إلى جباليا ومنها إلى غزة ثم رفح في جنوب القطاع، قبل أن تنزح إلى الزوايدة.
ويشعر مسعد بالإحباط لعدم تمكنه من التقدم لامتحانات الثانوية العامة، مبديا خشيته على مستقبله، إذ التحق بفرع الريادة والأعمال، وكان يطمح إلى إكمال الدراسة الجامعية في تخصص إدارة الأعمال.
ويقول مسعد لـ"وفا" إنه عندما نزح من منزله في بيت لاهيا، وأفرغ حقيبته المدرسية من الكتب ووضع فيها بعض الملابس، معتقدا أن الحرب لن تطول وسيعود إلى منزله مجددا، إلا أنه يشعر بالندم الآن لأنه لم يحمل كتب الثانوية معه.
وفي إحدى زوايا الخيمة، هناك كرسي مكتبي وطاولة صغيرة صنعها مسعد من "مشاتيح" الخشب لاستخدامها في دراسة بعض المواد التي يحصل عليها عبر الإنترنت أو من الطلبة الآخرين، إلا أنه لا يخفي أن حياة النزوح وظروف الحرب الصعبة لا تمنحه الوقت الكافي أو الذهن الصافي للدراسة.
ويُمضي مسعد يومه في قطع مسافات طويلة لتعبئة مياه الشرب لعائلته وشحن بطارية لاستخدامها في إضاءة الخيمة في ساعات الليل.
ويشير إلى أنه نجا عدة مرات من غارات الاحتلال وهو يقوم بتعبئة المياه أو خلال رحلته اليومية لتلبية احتياجات عائلته، مستذكرا عددا من زملائه وأساتذته وأصدقائه الذين استُشهدوا خلال العدوان المتواصل منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى الطالب عبد أبو عمشة الذي يقطن مع عائلته في مخيم للنازحين في مدينة دير البلح.
ويقول أبو عمشة، بينما كان ينقل المياه، إنه كان يطمح إلى النجاح في امتحانات الثانوية العامة ليتمكن من الالتحاق بجامعة الاستقلال في أريحا لدراسة العلوم العسكرية والتدريب الرياضي العسكري، إلا أن طموحاته وأحلامه تحطمت في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وما خلّفته من دمار غير مسبوق في المدارس والجامعات والبنى التحتية.
ويضيف: "لم يعد هناك حياة ولا مستقبل في قطاع غزة، وحتى فكرة النجاح والتفوق في الثانوية العامة لم تعد تجدي نفعا في وسط هذا الدمار".
ويعاني 630 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة الحرمان من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يتوزعون بين مدارس الحكومة ومدارس وكالة الغوث والمدارس الخاصة، فضلاً عن 88 ألفاً من طلبة الجامعات، و80 ألف طفل بلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال.