صلاح السعدني: فنان عانق الأحلام الصغيرة فصار نجماً كبيراً

24 ابريل, 2024 12:20 مساءً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

القاهرة - كمال القاضي - حين قدم صلاح السعدني شخصية الولد الصعلوك المُشاغب خفيف الظل في فيلم «الأرض» مع المخرج يوسف شاهين وسط كوكبة من كبار المُمثلين، وكانت فرصة ذهبية لم تتسن في وقتها لمُمثل مبتدئ، ظن أقرانه أن الطريق مُمهد أمامه ليُصبح نجماً سينمائياً في زمن قياسي، إلا أن صلاح السعدني نفسه أدرك أنها بداية المشوار الصعب، حيث لا يستطيع فنان موهوب مثله القبول بأقل من هذا المستوى الإبداعي في أي دور آخر يؤديه، وقد صدق حدسه، إذ ظل طوال الوقت باحثاً عن الجديد والمُختلف، ولهذا تأخرت نجوميته كثيراً في السينما، رغم أنه الأكفأ والأولى بها من كثيرين سبقوه وكانوا أقل موهبة وحضوراً على الشاشة. إنها أزمة التميز الثقافي والفني جعلته حائراً بين تمسكه بالقيمة وانتظاره لما هو آت من الفرص الأفضل والأهم، أو الانقياد كغيرة والرضا بما هو مُتاح من أدوار هي أقل بكثير من قُدراته وإمكانياته وطموحه.
لم يطاوع الفنان الراحل نفسه التواقة للانتشار ولم يستجب لغواية المُنتجين والمُخرجين الذين طالما وسوسوا إليه ليقبل بالأمر الواقع، ويسير في ركاب الأغلبية من الفنانين ليتمكن من تحقيق حُلم النجومية المُبكر على حساب القيمة الفعلية للفن البناء الذي راوده وهو لا يزال طالباً في كلية الزراعة، وتمسك به كأحد أهدافه الرئيسية قبل الحُلم بالنجاح والشهرة والمجد.
تلك كانت الأبجديات التي تعلمها صلاح السعدني في سن التكوين وأيام الصبا والشباب، وأسس عليها القاعدة التي انطلق منها إبان ظهوره وبداية حُلمه بالتمثيل والنجومية، الذي واكب في حينه أحلام الوطن بالنهضة والاستقرار والنصر. لقد علقت نكسة يونيو/حزيران 67 بذاكرة الفنان الواعد، فآثر أن يُسجل آلامها في فيلمه المهم «أحلام صغيرة» الذي شاركته فيه البطولة ميرفت أمين، فالشخصية التي جسدها كانت هي الأقرب إلى طبيعته الحقيقية، فهو المُثقف الثوري المهموم بأحزان الوطن وانكساراته والحالم دوماً بالانتصار وتجاوز المحنة والنازع إلى الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص وإزالة الحواجز بين الطبقات. لقد ترجم الفنان الراحل الكبير هذه القناعات في الكثير من الأعمال التي تصدر فيها البطولة، كفيلم «المراكبي» مع معالي زايد وهو واحد من الأدوار المُبرهنة على فطنته وذكائه وانحيازه المُطلق للفقراء والبسطاء والهامشيين. كذلك كان اختياره لشخصية وكيل النيابة في فيلم «الغول» مع عادل إمام وفريد شوقي، دليلاً على تمسكه بالعدالة وحتمية تطبيق القانون في الحُكم بين الناس، فقد تفوق على نفسه في مشهد المحكمة الذي حاول فيه إدانة الجاني الحقيقي نشأت الكاشف (حاتم ذو الفقار) ابن رجل الأعمال المُستغل صاحب النفوذ فريد شوقي. ولم يفوت صلاح السعدني الفرصة أيضاً في فيلم «زمن حاتم زهران» مع نور الشريف، كي يُثبت جدارته كرجل نبيل يدافع عن حق المجتمع في الثروات التي تكونت بالاحتيال والتعدي على حقوق الغير، فقد لعب دوراً مناوئاً لدور نور الشريف، وكانت مهمة الدفاع عن الحق جد صعبة أمام سطوة حاتم زهران، الرجل الذي حول كل شيء معنوي إلى مُكتسب مادي مُتجاهلاً العواطف والمشاعر الإنسانية للآخرين.
وفي أدوار سينمائية كثيرة، كان أداء السعدني نموذجاً لترسيخ مبادئ الحق والعدل والحرية ومحاولة ربطها بالواقع كدوره في فيلم «صراع الأحفاد» فقد كان استثناءً بين الورثة المُتقاتلين على الثروة بعد وفاة الجد، حيث ترفع الكاتب المسرحي المُثقف عن الدخول في حرب من أجل الميراث، وأبى إلا أن تكون القسمة بين الأبناء والأحفاد بالحق وأن تؤول الثروة لمُستحقيها. لقد حرص الفنان على أن تكون مُعظم أدوارة إيجابية إيماناً منه بالرسالة التي يؤديها، فلم يكن مُسرفاً في أدوار الشر، خاصة الأدوار السينمائية، لكنه في الأدوار التلفزيونية انتهج نهجاً مُغايراً، فاتسمت أعماله بالتنوع نسبياً لكنها لم تخرج تماماً عن خط الالتزام، فهو البطل المُثير للجدل في مسلسل «ليالي الحلمية» المُدافع عن حقه في أن يظل هو العُمدة حفاظاً على تقاليد العائلة وميراثها. وهو أيضاً الحرفي الفنان ابن البلد، الرافض للمساومة وصاحب الكلمة المسموعة في مسلسل «أرابيسك» والشاب المتطلع لمستقبل مرموق في التأليف والإبداع في مسلسل «سفر الأحلام» مع محمود مرسي وآثار الحكيم وحسن مصطفى.
المحطات كثيرة في مشوار صلاح السعدني الفني والإبداعي، ولا يُمكن أن يُستثنى منها دورة المتميز في مُسلسل «المكتوب على الجبين» المأخوذ عن رواية الكاتب توفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف» حيث جسد دور عصفور الشاب الفطري البسيط الذي يحفظ شعر صلاح جاهين عن ظهر قلب ويردده ويرتبط بعلاقة عاطفية من طرف واحد مع ريم بطلة الحدوتة الشعبية (صابرين).
في النهاية ما يُمكن أن يُقال عن صلاح السعدني لن يُضيف جديداً فهو الغني عن الإشادة والتزكية، إنه الفنان والإنسان والمُثقف الحصيف والمُتحدث اللبق رفيع المستوى.

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار