ثلاثون عاما في اليم

12 سبتمبر, 2023 08:25 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة

رام الله - مر ثلاثون عاما بالتمام والكمال على أسوأ اتفاقية مبادئ لما يسمى "السلام" بين العدوين الفلسطيني والإسرائيلي، تلك الاتفاقية المسماة أوسلو، نسبة للعاصمة النرويجية، التي احتضنت المحادثات السرية الفلسطينية الإسرائيلية طيلة تسعة اشهر، فأنجبت فأرا قارضا للحقوق الوطنية الفلسطينية، ورهنت الملفات الأساسية في الصراع بيد العدو الإسرائيلي: اللاجئين، القدس العاصمة، الاستيطان الاستعماري، الحدود، الامن، الثروات الطبيعية والأسرى. ولم يكن تحديد الخمسة سنوات الانتقالية، الا من باب ذر الرماد في العيون الفلسطينية، ولايهام قيادة منظمة التحرير، بانها باتت على أبواب انتزاع الحقوق السياسية والقانونية المقرة في البرنامج الوطني. بيد ان هذه السنوات الخمس، طمسها إسحاق رابين بمقولته الشهيرة "لا تواريخ مقدسة"، ولا تحلموا ببحث تلك المسائل. وبالتالي الرؤية الرابينية قامت على إدامة المرحلة الانتقالية، بتعبير ادقـ اعتمدت حكومة رابين منطق إسحاق شامير، الذي اعتمده عشية الذهاب مرغما لمؤتمر مدريد 1991، الذي اكد إبقاء دوامة المفاوضات مع الفلسطينيين لعشرات السنوات، وأيضا تبني وجهة نظر مناحيم بيغن التي اعتمدها في مفاوضات كامب ديفيد مع الرئيس المصري، أنور السادات 1978 و1979، التي رفض فيها منح الفلسطينيين اكثر من حكم اداري ذاتي مشوه.  
ولعل ما كشفت عنه الوثائق السرية لجلسة الحكومة الإسرائيلية برئاسة رابين عام 1993، التي وافقت على اتفاقية المبادئ الفلسطينية الإسرائيلية قبل ثلاثة اسابيع من الان، ونشرت في وسائل الاعلام الإسرائيلية المختلفة في مطلع الثلث الاخير من شهر آب / أغسطس 2023، أكدت بما لا يدع مجالا للشك، بان رئيس الحكومة الأسبق، اكد في تلك الجلسة، أولا لا مجال لمناقشة ملفي القدس واللاجئين؛ ثانيا لا دولة فلسطينية بين البحر والنهر؛ ثالثا إبقاء السيطرة على الجزء الأكبر من أراضي الضفة الفلسطينية التي صنفت بمناطق (سي)؛ رابعا إبقاء الفصل الجغرافي بين المدن والمحافظات الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وخاصة بين جناحي الوطن، وإدامة السيطرة الإسرائيلية والتحكم بها وعليها؛ خامسا اخضاع الثروات الطبيعية الفلسطينية مثل المياه وغيرها للإدارة المدنية الاستعمارية الإسرائيلية؛ سادسا تمدد وتوسع الاستيطان الاستعماري على حساب مشروع السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967؛ سابعا والاهم تحويل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير إلى أداة وظيفية أمنية في خدمة المشروع الكولونيالي الصهيوني؛ ثامنا إبقاء الاقتصاد الفلسطيني في دائرة المحوطة والتبعية، والحؤول دون صك العملة الوطنية الفلسطينية؛ تاسعا تجسير العلاقات الإسرائيلية مع دول الطوق العربية، ومنها للدول العربية عموما، من خلال جسر أوسلو المميت؛ عاشرا تحسين صورة إسرائيل الإقليمية والعالمية، وفتح شبكة العلاقات الدبلوماسية مع العالم ككل؛ حادي عشر احد الأهداف المركزية ضخ الحياة في الجسد الإسرائيلي الاستعماري المنهك، ومد سنوات البقاء لاطول فترة ممكنة فيه بما يتجاوز العقود الثمانية، التي شكلت وتشكل عقدة العقد في أوساط الحركة الصهيونية ودولتها اللقيطة.  
غير ان قيادة منظمة التحرير كانت تعتقد، ان مغامرة أوسلو محفوفة بالمخاطر والمجازفة، ومع ذلك، إفترضت انها تستطيع إحداث إختراق جدي في الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية، والتمكن من تثبيت المسألة الفلسطينية على مسرح السياسة العالمية، وتكريس الحقوق الوطنية في الجيوبوليتك الإقليمي والدولي، مما يعني تمكنها من الالتفاف على المخطط الإسرائيلي. كما اعتقدت قيادة المنظمة، انها ستتمكن من الخروج من شرنقة العباءة العربية الرسمية واثقالها. ولكنها تناست في ذات الوقت، ان قيود العدو الصهيو أميركي أكثر لعنة ووحشية وخنقا للإرادة الوطنية. اضف الى ان الرهان الفلسطيني كان يعتمد على الابداع الوطني في إدارة الازمة مع القيادة الإسرائيلية، وتجاوز حقول الألغام المنصوبة لها. الا انها تجاهلت أيضا، ان ميزان القوى مائل تاريخيا وحتى الان لصالح إسرائيل والولايات المتحدة من خلفها، وهو ما يمنحها القدرة والقوة وسعة الحركة في كبح جماح اية توجهات فلسطينية رسمية، والحد من نشاطاتها، مع ان منظمة التحرير وحكومتها تمكنت في الواقع من احداث اكثر من اختراق على المستوى الاممي، وتجاوز سقف أوسلو مع رفع مكانة فلسطين في 29 تشرين ثاني / نوفمبر 2012 الى دولة مراقب، ومع تمكنها بدعم الاشقاء والأصدقاء من انتزاع قرار مجلس الامن الأهم 2334 الصادر في 23 كانون اول / ديسمبر 2016، وغيرها من الإنجازات السياسية والديبلوماسية. بتعبير آخر، تمكنت القيادة الفلسطينية من تحقيق حصاد لا بأس به على المستوى الإقليمي والدولي. رغم الانقلاب الاخواني على الشرعية عام 2007، وانقلاب بعض العرب على مبادرة السلام العربية، واندفاعهم في عملية تطبيع مجانية تحت مسمى "السلام الابراهيمي" المشؤوم، أي بتطبيق مرتكزات صفقة القرن الترامبية.
بالنتيجة الواضحة، كان ومازال ممر أوسلو مليء بالالغام والتعقيدات والاخطار المميتة، المطلوب الان من قيادة منظمة التحرير التحرر من هذا الاتفاق، الذي دفنته إسرائيل ومن يقف معها، وتنفيذ قرارات المجالس الوطنية والمركزية لمنظمة التحرير، واشتقاق رؤية برنامجية تستجيب لمواجهة التحديات الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من ما يزيد على ال75 عاما من النكبة، و56 عاما من هزيمة حزيران / يونيو 1967، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتعميق الازمة الإسرائيلية حتى الانفجار الداخلي، الذي يشكل خشبة الخلاص الوطني الفلسطيني.
[email protected]
[email protected]

مواضيع ذات صلة

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار