حزيران ورمادية اللحظة

06 يونيو, 2023 07:34 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة

رام الله - حلت امس الاثنين الذكرى ال56 لهزيمة حزيران عام 1967، التي أحدثت زلزالا استراتيجيا في معادلة الصراع العربي الصهيو أميركي، رغم لاءات قمة الخرطوم الثلاث في نهاية آب/ أغسطس 1967: لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف بإسرائيل، الا ان تداعيات الهزيمة كانت أكبر وأعلى من مواساة اهل النظام العربي لانفسهم، لانها تركت ندوبا عميقة في الوعي الجمعي العربي، وفي الواقع العملي، حال دون تمكن الثورة الفلسطينية بزخمها وصعودها في ظاهرتها العلنية بعد الهزيمة والانكسار من ردم الهوة. كما ان حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 فشلت في الحد من الانقلاب الدراماتيكي العربي، ليس هذا فحسب، بل ان الرئيس الراحل السادات استخدم إنجازات حرب العاشر من رمضان ورقة في هدم التضامن العربي الرسمي بمعايير تلك اللحظة، وذهب لخيار فصل ملفات الصراع العربية عن بعضها البعض، وتساوق مع رؤية الإدارة الأميركية آنذاك، وشق وحد الصف بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في أيلول / سبتمبر عام 1978.
ومع ان العالم العربي شهد بعض الومضات الإيجابية خلال العقود الخمسة الماضية، الا ان الخط البياني للحالة الرسمية والشعبية العربية كان ينحدر أكثر فأكثر يوما تلو الآخر، اجتياح لبنان عام 1982 بهدف  تصفية القضية الفلسطينية، ومواصلة الاستهداف عبر بوابة حرب المخيمات 1985 و1987، والقمة العربية في تشرين ثاني / نوفمبر 1987، واندفاع ايران بعد ثورتها مباشرة لشن حرب على العراق 1980 الى 1988 لاستنزاق طاقات الجبهة الشرقية، ثم للأسف الشديد تورط العراق باحتلال الكويت 1990، الذي قسم ظهر البعير العربي، مرورا بمؤتمر مدريد 1991 والتوقيع على اتفاقيات أوسلو 1993ووادي عربة 1994، واحتلال العراق 2003 من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ثم انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية أواسط 2007، وتلاها ما يسمى "الربيع العربي" 2010 و2011 ومازالت تداعياته حتى الان، الذي مزق وحدة العرب بأيد العرب والأدوات الاخوانية التكفيرية والتخوينية، وقسم سوريا وليبيا والسودان والصومال واليمن والعراق والحبل على الجرار، وصولا لصفقة القرن الترامبية التي دشنت نهاية عام 2017، وصودق عليها عام 2020، وتوجت بالتوقيع على اتفاقيات التطبيع المجانية، المسماة "اتفاقيات السلام الابراهيمية" 2020، التي تخلت عن أي مشترك عربي، رغم البيانات العربية الرسمية التي تتحدث بلغة مغايرة للواقع الحقيقي.
إذاً كانت هزيمة حزيران / يونيو 1967 محطة فاصلة في التاريخ العربي المعاصر على المستويين الرسمي والشعبي، قصمت ظهر حركة التحرر الوطني العربي، وسيدت اهل النظام الرسمي بشكل غير مسبوق على مقاليد الأمور، واطلقت يد الأنظمة القطرية المرتدة عن المعايير الوطنية والقومية في استباحة كل ملمح إيجابي، وبقدر ما فرضت خيارها على الشعوب وبقايا قواها الحية، بقدر ما رضخت للسيد الأميركي وربيبته إسرائيل، ومازالت شعوب الامة العربية تعيش حالة من الضياع، والتشرذم، والتفسخ على أساس هويات قزمية، غرسها الغرب الراسمالي بقيادة واشنطن، ومعها اداتها الوظيفية إسرائيل وجماعة الاخوان المسلمين ومشتقاتهم من "الدواعش" و"النصرة" والمسميات المختلفة من زنادقة اللحظة العربية الرمادية.
هذا الواقع التراجيدي يحتاج إلى عملية تغيير جذرية في واقع الحال العربي، يبدأ من تحت، من أوساط الجماهير الشعبية وما تبقى من القوى القومية والديمقراطية الحية لتشق طريق النهوض، واستعادة زمام الأمور، دون تطرف او سقوط في اللغة الشعاراتية المأزومة، ودون الرضوخ لشروط الأنظمة، واستنادا لبرنامج عمل وطني وقومي ديمقراطي يربط بين الأهداف التكتيكية والاستراتيجية بشكل واقعي وموضوعي، ويرتكز على الاستفادة من اية نافذة لتكريس اختيار ممثلي الشعب عبر صناديق الاقتراع، وبالعمل على تحشيد القوى والشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية الرافضة لخيار الهزيمة، والانسحاق في دوائر التبعية للغرب، وعلى أرضية التكامل مع الاشقاء العرب في الدول المختلفة، بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة الا بالنصح والمشورة، والتساند في المحطات التي تستوجب التكامل والتكافل العربي العربي.
مرحلة دقيقة ومعقدة من الصراع في المنطقة وعليها، خاصة وان هناك تحولات استراتيجية عالمية تتحقق على الأرض، مطلوب من قوى التغيير الاستفادة من هذه التحولات الكيفية على المستويات الفكرية السياسية، ومن خلال بناء تحالفات إقليمية ودولية تخدم التوجهات الوطنية والقومية، والكف عن سياسة الانتظار، والشروع بالعمل الهادف والناضج لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية.
[email protected]
[email protected]

مواضيع ذات صلة

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار