في يوم الأرض مُنغرسون فيها كالتين والزيتون

30 مارس, 2023 11:50 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

القاهرة -على هذه الأرض ما يستحق الحياة أم البدايات أم النهايات – كانت تسمي فلسطين وستبقي لنا فلسطين- فإن للناس وطنٌ يعيشون فيه- ونحن لنا وطن يعيش فينا - تمر هذه الأيام ذكري يوم الأرض على شعبنا الفلسطيني البطل وأمتنا العربية والإسلامية غارقة في همومها ومشكلاتها الداخلية؛ وفي ظل تعتر المفاوضات وتعنت الجانب الإسرائيلي ففي يوم 30 من آذار مارس من كلّ سنة يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني ذكرى يوم الأرض الخالد فينا، والمغروس فينا كشجر التين والزيتون والذي تعود أحداثه ليوم الثامن من فبراير 1976 حينما أصدرت الشرطة الإسرائيلية أمراً منعت بموجبه الفلسطينيين في منطقة الجليل من دخول أرض مرقمة بالعدد (9) مساحتها 17 ألف دونم، تمهيًا لمصادرتها بحجة أن هذه المنطقة تستخدم كميدان لإجراء مناورات وتدريبات عسكرية للجيش الإسرائيلي، لكن النواة الفعلية للإعلان عن يوم الأرض في 30/3/1976، كانت أول حلقاتها بالمؤتمر الشعبي في سخنين بتاريخ 14/2/1976.آذار مارس عام 1976م بعد أن قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذو أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة مطلقة، وخاصّة في مناطق الجليل(عرابة) كان يوم الأرض يومًا سطر بدماء أبناء شعبنا حينما أطلقت السلطات الإسرائيلية خطة ما يسمى بتهويد الجليل ( وثيقة سرية معروفة تحت اسم وثيقة كينغ وأعدها يسرائيل كينغ وهو متطرف من لواء المنطقة الشمالية لدولة الاحتلال- كانت هذه الخطة تهدف إلى مصادرة آلاف الدونمات وخاصة في مناطق سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل إضافة إلى احتوائها على توصيات أخرى لتقويض شوكة الفلسطينيين بالداخل. أعلن الإضراب العام وخرجت المسيرات بالآلاف وكان الرد من قبل القوات الصهيونية دموياً، و دخلت الدبابات وقوات الجيش والشرطة إلى حيث لا تدخل بالعادة هناك، حيث قرانا ومدننا في الداخل المحتل - على أثر هذا المخطّط الصهيوني الاستيطاني قرّرت الجماهير العربيّة بالدّاخل الفلسطينيّ بإعلان الإضراب الشّامل، متحدّية ولأوّل مرّة بعد احتلال فلسطين عام 1948م السّلطات الإسرائيليّة المحتلة لفلسطين، وكان الرّدّ من المحتل عسكريّ وقمعي شديد إذ دخلت قوّات معزّزة من الجيش الإسرائيليّ مدعومة بالدّبّابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينيّة(عرابة) وسخنين وأعادت احتلالها موقعة ستة شهداء و عشرات الجرحى بين صفوف المدنيّين العزل من أبناء شعبنا الفلسطيني وصادرت قوات الجيش الإسرائيلي ألاف الدونمات من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرّابة وسخنين ودير حنا (وهي القرى التي تسمي اليوم مثلّث يوم الأرض) والمحتلة عام 1948م وذلك في نطاق مخطّط تهويد الجليل. فقام أبناء شعبنا الفلسطيني الصامدين في أرضنا المحتلة عام 1948 أو من يسمون فلسطينيو الداخل بإعلان إضراب عام وقامت مظاهرات عديدة في القرى والمدن العربية وحدثت صدامات بين الجماهير المتظاهرة وقوى الشرطة والجيش الإسرائيلي فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص 4 منهم قتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة. ورغم مطالبة الجماهير العربية السلطات الإسرائيلية بإقامة لجنة للتحقيق في قيام الجيش والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التّام بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية. سقط الشهداء برصاص قوات الشرطة والجيش لصهيوني ومعهم عشرات الجرحى. وكتبت الكثير من المقالات التي تشرح البعد السياسي والوطني والاجتماعي لهذه الانطلاقة لكن الأهم ربما هو كسر حاجز الخوف بين أبناء شعبنا من بعد احتلال فلسطين التاريخية، وانتشار هذا اليوم ليكون انطلاقة الشرارة لمكافحة الاحتلال ومقاومته بكل السبل في باقي فلسطين كافة، كما أن انطلاق هذا اليوم كان بمثابة حصن أمام محاولة الرهان على(سرلِة) الفلسطينيين في الداخل، رهان ما زال قائماً ومحاولاته لا تتوقف، لكن شعبنا سرعان ما يفشل هذه المخططات- وما محاولات نتنياهو اليوم ومطالباتهِ المستمرة للفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة لهو أكبر دلل على فشل أسرلة الفلسطينيين في الداخل المحتل، فأخذوا نهجًا أخر وهو تهجيرهم من قراهم ومدنهم التي صمدوا فيها، من خلال انتزاع اعتراف من الرئيس محمود عباس بيهودية الدولة، الأمر الذي رفضه أبو مازن مرارًا وتكراراً بصورة قاطعة برغم كل الضغوطات التي مورست. وتعود الأرض الفلسطينية المحتلة هي العنوان الرئيسي للصراع العربي- الصهيوني بشكل عام، والفلسطيني منه بشكل خاص، وكل يوم مر من أيام هذا الصراع منذ بداياته في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، هو يوم الأرض التي تستمر محاولات تهويدها وقضمها كما هو حاصل الأن بالضفة الغربية- ما يؤكد على ضرورة الانتباه لخطورة الموقف وكذلك عدم انفصال الهوية الوطنية الفلسطينية عن الأرض والوطن، لأن الهوية الفلسطينية ليست دعوة إقليمية وليست دعوة للانفصال عن المحيط العربي والإسلامي، بقدر ما أنها دعوة لإعادة ترتيب الأولويات في العمل السياسي؛ وتأتي ذكرى يوم الأرض، لتؤكد أن الصراع على الأرض مع الاحتلال سابق للصراع على الاستقلال، وبدونها لا وجود للاستقلال، في حين أن قضية الأرض والحصول عليها شكلت الإطار الذي توحدت فيه كل فئات العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني؛ مما يؤكد أن "الأرض الفلسطينية كلها هي محور للصراع"، إن التقصير العربي الرسمي؛ من العوامل التي سمحت بتسرب السرطان الصهيوني الاستيطاني إلى جسد الأرض الفلسطينية؛ وبرغم كل الأساليب التي اتبعتها دولة الاحتلال الصهيونية ومؤسساتها، ومساعدة الغرب وأمريكا لهم، لكن شعبنا مازال متمسك بأرضه وبحقه يعض عليها بالنواجد، وماضي لتحقيق الثوابت الوطنية؛ وإن الأرض الفلسطينية وشعبنا بالداخل المحتل عام 48م كل عام تشهد أحداثاً مهمة خلال المناسبة الوطنية، والفعاليات على الأرض في يوم الأرض- إن الإنسان الفلسطيني يحب وطنه ويحن إليه دائماً إذا ما ابتعد عنه، فالوطن ليس مكان للعيش فقط، بل هو العنوان والملاذ والمستقر، هو جزء من حياة المواطن الفلسطيني، امتزج حبه بعقله وقلبه حتى أصبح الفلسطيني يضحي بالغالي والنفيس في سبيل تحريره وإحقاق حقوقه. إن حب الوطن غريزة في النفس وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يذكر موطنه غزة ويشتاق إليها فقال: واني لمشتاق إلى أرض غزة وإن خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرت بها كحلت بها من شدة الشوق أجفاني
إن حب الوطن والأرض عند الفلسطيني واجب، وذلك لما لفلسطين من مزايا كثيرة، فهي مهد الحضارات ومنطلق الرسالات، واليها أسرى برسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم) ومنها عرج به إلى السماوات العلى، وفيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد المساجد التي تشد إليها الرحال.
قبل بضعة أيام انتهت القمة العربية في الكويت، وثم رفض يهودية الدولة من قبل الرئيس أبو مازن والزعماء العرب وهذا هو تأكيد على حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه أينما كان سواء بالداخل المحتل عام 48م أم عام 67م. ورفض لكل محاولات التهويد المستعرة من قبل الاحتلال المجرم والذي يحاول جعل المفاوضات للأبد للتغطية على سرقة الأرض عبر بناء المستوطنات وتهويد الأرض والحجر والشجر والمقدسات ليلاً ونهاراً. ونحن نحتفل في يوم الأرض، في ظل التصعيد الإسرائيلي تجاه سلب مزيد من الأراضي وتقطيع أوصال الأراضي والمدن ومحاصرتها، وفي ظل الاستمرار في سياسة الاستيطان والتهويد، وبناء الجدار العازل، ومحاولة القضاء على فرص السلام وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية جغرافيًا على الأرض. إننا اليوم بحاجة ماسة من قبل أي وقت مضي لإنهاء الانقسام من أجل التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية بما فيها حق العودة، والشروع الفوري في حوار وطني وشامل للوصول إلى برنامج وطني موحد، والعمل على تعزيز صمود الإنسان وحمايته وتمتين الجبهة الداخلية، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الخطاب السياسي تجاه المجتمع الدولي لتفعيل قرارات الشرعية الدولية ضد الاحتلال الذي أخل بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسري والتي كان موعدها اليوم التاسع والعشرين من مارس؛ في ظل تزايد الخطر الاستيطاني لسلب الأرض الفلسطينية نأمل من الأخوة في حماس أن يتلقوا دعوة الرئيس أبو مازن في القمة العربية لهم بالمصالحة فوراً من خلال الموافقة على شرط واحد وهو الموافقة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لنقف جميعًا في خندق واحد ضد العدو المترب بنا وبأرضنا ليلاً ونهارًا. إن الخطر المحدق بالهوية الوطنية والأرض الفلسطينية ليس مجرد تهويل أو شعار سياسي تحريضي، بل هو حقيقة يجب أن يستحضرها كل فلسطين، المواطن العادي والسياسي، المثقف، المواطن والمهاجر، الفلسطيني الذي يعيش في الوطن المحتل، والفلسطيني الذي يحمل معه الوطن في بلاد الغربة، لأن "الهوية الوطنية والقضية الفلسطينية مهددة بكاملها وتحديات البقاء قائمة"، وإن إعلاء راية الوطنية الفلسطينية والهوية الفلسطينية ليست دعوة إقليمية أو شعوبية، وليست دعوة للانفصال عن المحيط العربي والإسلامي، وإنما هي دعوة لإعادة ترتيب الأولويات في العمل السياسي، وإنقاذ الهوية والأرض الفلسطينية من ضياع تسير إليه بسبب تغيرات دراماتيكية ومتسارعة دولية وإقليمية وفلسطينية داخلية وخارجية. إن الأرض الفلسطينية باتت محاطة بالخطر من كل حدبٍ وصوب، وإن يوم الأرض هو يوم الدم الفلسطيني والانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في الثلاثين من آذار من العام 1976، على شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية في معظم القرى والمدن والتجمعات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، احتجاجاً على سياسة التمييز العنصري، ومصادرة الأراضي التي تمارسها السلطات الاسرائيلية ولازالت تمارسها اليوم عام 2014م بحق أبناء الشعب الفلسطيني، الصامدين على أرضهم، ليبقي يوم الأرض يوم دم الشعب الفلسطيني الطاهر الذي روي تراب الأرض الفلسطينية في كل مكان من فلسطين التاريخية ليبقي بذلك حدثا فلسطينيا وطنيًا جامعًا، ورمزًا لوحدة هذا الشعب ولحمته وتمسكه بأرض آبائه وأجداده، ليعلن لهذا العدو المتغطرس أننا أصحاب حق وأن غزة كيافا ، وحيفا وتل الربيع كصفد، ومثل جينين المقاومة، والخليل والقدس الشريف، مثل سخنين و قري المثلث- في يوم الأرض المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والخزي والعار للمحتل الغاصب – وسنبقي مزروعون بأرضنا متمسكون بها متجدرون كجدور شجر النخيل والتين والزيتون، في هذه الأرض التي بارك الله فيها وما حولها، ومن هنا نجدد الدعوة لإنهاء الانقسام البغيض والحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية وتغليب فلسطين على المصالح الحزبية الضيقة لأن فلسطين أكبر من الجميع، وعاشت ذكري يوم الأرض خالدة حية فيننا، وليرحل المحتل من أرضنا وليخرج من حلمنا ومن ملحنا ومن خبزنا.

الكاتب والمفكر الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد ابو نحل
مدير عام المركز القومي للبحوث - غزة

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار