بين أمهات غائبات وحاضرات: «أماني» الملكة رانيا

16 مارس, 2023 01:17 مساءً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

رام الله -حين يأتي عيد الأم، وأنت لست معي، يضرب الربيع عن المجيء، وتخنق الورود صغارها البراعم. كيف يقوى العيد على المجيء يا أمي وأنت في السماء؟ ليتني كنت أعلم قبل رحيلك ما يعنيه الغياب كي أعلن كل يوم من عمرينا معاً مهرجان ربيع وفرح. لكني لطالما اعتقدت، مثل نزارنا، حين كتب عن أبيه قصيدة، لو لم يكتب سواها لقيل عنه أيضاً إنه من أعظم الشعراء وأقربهم إلى الدموع:
«أمات أبوك؟
ضلال أنا لا يموت أبي
ففي البيت منه
روائح رب وذكرى نبي»
هكذا اعتقدت أن أمي أنا أيضاً لا تموت.
أنتظر الآن وصول العيد، ككل هؤلاء الذين فقدوا أمهاتهم بخوف وقلق كبيرين. أمي تلك الجميلة النقية الطيبة، لن ترد على اتصالاتي المتكررة، ولن تشم باقة الزهور، ولن تنتظرني إن قررت زيارتها، عند باب الدار. وستبقى هداياها مدفونة في كل عيد آت.
اليوم أتساءل، كيف سيحتمل قلبي ألم فراقها وأذية العيد. ليتها تعود أو يكف ذلك العيد عن المجيء.
ولكل أم حكاية حب وتضحية، وعطاء وحنان وأمان.
أمس اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدموع الممثل كي هوي كوان، بعد فوزه بجائزة أوسكار كأفضل ممثل مساعد في حفل هوليوود في نسخته 95 عن دوره في فيلم «كل شيء. كل مكان. في نفس الوقت».
لقد وقف في حفل الأوسكار والجائزة بيده، وهو غارق في دموعه مخاطباً والدته البالغة من العمر 84 سنة. قال بصدق واضح وإنسانية عالية: أمي تجلس في البيت الآن أمام شاشة التلفزيون وتتابع الحدث. ثم توجه بكلامه إليها بتأثر شديد :»لقد فزت بالأوسكار يا أمي»!
كان يشهق في البكاء، وهو يرفع الجائزة عالياً، وكأنه يقدم ذلك النجاح والفخر والعزة إلى أمه العجوز، كي يفرح قلبها بعد كل التضحيات، التي قامت بها عبر السنوات لأجله. فحياة تلك الأسرة لم تكن سهلة أبداً. لقد قال كوان في تصريح لجريدة الـ»غارديان»:
كنا لاجئين. لا أحد يريدنا. كانوا يسموننا غرباء جاءوا على قارب!
ولكن أمه كانت ذلك الحضن الدافئ، في تلك الرحلة القاسية، التي تكللت في نهايتها بالنجاح.
كلماته في حفل الأوسكار – على بساطتها – كانت كافية لتبكي كل من تابع ذلك الحدث الضخم، ربما لأنها من أصدق ما قيل في مثل هذه المناسبات، عبر الزمن. فمهما بلغنا من العمر، تبقى الأم هي أول من نلجأ إليه في فرحنا وحزننا.
إن كي هوي كوان محظوظ جداً، لأنه تمكن من تكريم أمه وإسعادها، قبل أن ترحل عن الدنيا. استوقفتني تلك اللحظة وتمنيت لو عادت أمي، ولو لدقائق معدودة، كي أخبرها أنني أشعر بالبرد القارس منذ رحيلها، وأن لحظاتي كلها ناقصة، وأني غائبة، ولا أحضر إلا بحبها.

دموع الملكة

ومن فرحة كي هوي كوان، إلى فرحة أخرى ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي. إنه زفاف الأميرة إيمان، ابنة الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية وزوجته الجميلة المتواضعة الملكة رانيا، على اليوناني جميل ألكساندر ترميوتس.
عرس أبهر العالم برقيه وبساطته وسحره. وقد تابعه الملايين من سكان الأردن والعالم. مشت الأميرة على وقع كلمات أغنية إليسا، التي كتبها مروان خوري خصيصاً لهذا الحفل:
«على دربك على قدرك خطوة وخطوة تمشي … والنجمة الليلة بعرسك بإيدك تقلب كمشة… يا رب أنت السامع صوتي لصوبك طالع بدعي لأغلى إنسانة».
كانت تمشي مثل أميرات الأساطير، بل أجمل على وقع الموسيقى، وهي تمسك بيد شقيقها ولي العهد الأمير الحسين، في طريق زُين بشجر، محمل بزهور بيضاء ناعمة، للوصول إلى القاعة المخصصة لحفل الزواج في القصر الملكي المعروف بـ»بيت الأردن».
أما والدتها الملكة رانيا، فقد كانت في قمة بهائها تنظر إلى ابنتها العروس بحب وتأثر كبيرين. لم تتمكن من امتلاك نفسها في لحظة عقد القران. هربت منها دموع ممزوجة بالحب والفرح والخوف على طفلة قلبها.
وقد قالت في مقطع فيديو رسمي نشرته على صفحتها: «حبيبتي إيماني. لم ولن تغادري كياني، لا في صحوتي ولا في منامي.. في حفظ الله ورعياته.»
كما كتبت على صفحتها في دعاء مؤثر: «اللهم إني أستودعك إيمان قطعة من قلبي، في مكان غابت عنها عيني، وعينك لم تغب، فاحفظها من كل شر ووفقها واسعد قلبها. ألف مبارك لأحلى العرسان».
الملكة رانيا لم تحمل في عرس ابنتها حقيبة كُتِب عليها «شانيل» أو «ديور» أو أي من الماركات العالمية الفاخرة. لم تختر حقيبة براقة بماساتها الكبيرة الملفتة. اختارت أن تتزين بحقيبة حفر عليها اسم ابنتها «إيماني».
من مثل الأمهات في هذه الدنيا؟ ومن بنقاء قلوبهن؟
تبقى الأم هي الأم، مهما علا شأنها، ومهما كان منصبها. مدرسة مخضرمة في الحب والعطاء!

*كاتبة لبنانية

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار