شوكولاتة غزة.. صناعة محلية بأيدٍ نسائية

27 ديسمبر, 2022 10:45 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

غزة- نور أبو عيشة-على طاولة رخامية داخل ورشتها في مدينة غزة، تسكب الشيف الفلسطينية جيهان سعد، وعاء مليئا بالشكولاتة السوداء الدافئة لتبريدها بالطريقة اليدوية، قبل أن تشكّلها إلى قطع منتظمة ومذاق لذيذ.
بأدوات متواضعة، تبدأ جيهان (40 عاما) بعملية التبريد التي تقول إنها تُضفي لمعة جميلة على قطع الشكولاتة التي سيتم تشكيلها لاحقا، كما تعمل على زيادة جودتها.
وعندما تصل إلى درجة حرارة معيّنة تصبّ الشكولاتة داخل قوالب من البلاستيك المقوّى ذات أشكال مختلفة منها البيضاوي والمستطيل، ومن ثم تضيف حشوات متنوعة المذاق كالمكسّرات أو الزبدة الطبيعية أو قطع الفاكهة.
وبعد انتظار لساعات، تُخرج سعد تلك القطع من قوالبها لتبدأ بتغليف بعضها، وترتيب البعض الآخر داخل صوانٍ لعرضها في المتجر.
افتتحت سعد متجرها لبيع الشكولاتة المصنوعة يدويا عام 2022، بعد عامين قضتهما في صناعتها داخل منزلها وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعدّ هذا المتجر من المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي يعمل بها أفراد عائلة سعد، في محاولة للقفز عن تداعيات ظاهرة البطالة المتفشيّة في قطاع غزة المحاصر.

من الشغف إلى المهنة

تقول جيهان إنها انخرطت منذ سنوات في مجال الطهي وانضمت لمؤسسات أهلية تدعم هذا الفن، فضلا عن مشاركتها في مسابقات عربية حصلت فيها على ميداليات برونزية وفضية.
“في البداية كنت أصنع الحلويات الشرقية والغربية لكني تخصصت لاحقا في صناعة الشكولاتة لندرة العاملين في هذا المجال”، تضيف سعد.
وتوضح أن صناعة الشكولاتة مثّلت شغفا لها منذ القدم، لكنها نجحت لاحقا في تحويل ذلك إلى “منتج يتذوقه الجميع”.
وتبيّن أن توجّه الطهاة في غزة لافتتاح مشاريع متخصصة بالحلويات الغربية والشرقية وكعك أعياد الميلاد شكّل دافعا لها للتخصص في صناعة الشكولاتة يدويا، كونها إحدى المشاريع المميزة والنادرة في القطاع.


وتذكر السيدة الفلسطينية أنها تلقّت تدريبات لمدة عامين في صناعة الشكولاتة عبر ورشات عمل وجهد ذاتي، قبل انخراطها بهذه المهنة عام 2020.
وتوضح أنها “التحقت بدورات خارجية لإنتاج شوكولاتة بمواصفات وجودة عالية، وباستخدام مواد خام طبيعية بعيدا عن المواد الحافظة”.
وأشارت إلى أن الفترة التي أقامتها في أوكرانيا لمدة 5 سنوات كانت كفيلة بتعريفها على ثقافة الشعوب الأوروبية ومكانة الشيف لديهم ونظرتهم للحداثة خاصة في صناعة المنتجات كالشكولاتة.
ورغم أن الشكولاتة، بحسب سعد، تعدّ من “منتجات الرفاهية في غزة”، إلا أن الشعب الفلسطيني رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة “ذوّاق يميل للأطعمة والمأكولات اللذيذة”.
وتشير إلى أنها درّبت مجموعة من السيدات الفلسطينيات على صناعة الشكولاتة يدويا، ليفتتحن فيما بعد مشاريع اقتصادية منزلية لتحسين ظروفهن الاقتصادية.

متجر مُتخصص

شكّلت فترة الحجر الصحي التي فرضتها جائحة كورونا على العالم مطلع عام 2020، فترة ذهبية لبدء السيدة جيهان في صناعة الشكولاتة.
خلال تلك الجائحة تزايد حجم طلب المستهلكين على المنتجات التي تباع “عن بعد” عبر وسائل التواصل، في ظل ظروف التباعد الاجتماعي التي سادت آنذاك، وفق قولها.
في تلك المرحلة، دشّنت سعد متجرها الإلكتروني وعرضت عليه بطرق تسويقية مختلفة وجذابة المنتجات التي تصنّعها يدويا.
وتقول: “لاقت المنتجات رواجا كبيرا في بداية الانطلاق، وكان هناك إقبال من الناس على الشراء أون لاين، خاصة وأن هذه المنتجات يندر تصنيعها بغزة بشكل يدوي”.
وتضيف: “كما أن الجودة الجيدة لهذه الشكولاتة التي اعتمدت في صناعتها على زبدة الكاكاو الطبيعية، ساهمت في رواج المنتج”.
وبعد انتهاء إجراءات الجائحة وزيادة الطلب على المنتجات، اتجهت سعد لتحويل المتجر الإلكتروني إلى محل يمكن للزبائن ارتياده.
وبهذا الشكل، حوّلت سعد حلمها وشغفها بفن صناعة هذه الحلويات المُفضّلة لديها، إلى مهنة تعيل منها عائلتها، وفق قولها.


وتشير إلى أن “العمل في هذا المتجر ينشط في المناسبات الدينية كالأعياد ورأس السنة والمناسبات الاجتماعية وأيضا حفلات التخرّج التي ينظّمها الطلبة والجامعيون”.
وفي الفترة المقبلة، تسعى سعد لإنتاج الشكولاتة الخالية من السكر الصناعي، وذلك بالشراكة مع خبيرة متخصصة باستخلاص السكر من نبات “الستيفيا”.
وتتابع: “هذا النوع من الشكولاتة سيكون مخصصا لفئات معينة، نحاول دائما استهداف كافة شرائح المجتمع ومواكبة الحداثة بهذه الصناعة”.
وخلال عامين، طوّرت سعد أنواع وأعداد منتجاتها لتصل إلى 20 منتجا، من أصل منتجين بدأت بهما عام 2020.

عقبات الحصار

تقول سعد إن هذه المنتجات المصنوعة بإمكانيات متواضعة، وباتت تنافس الشوكلاتة المستوردة من الخارج من حيث النوعية والجودة.
وتوضح أنها أدخلت بعض التقنيات الحديثة أيضا في تصميم الشكل الخارجي للشوكلاتة في محاولة لمواكبة المنتجات الخارجية والمستوردة.
وتستكمل: “لدينا تقنية الطباعة على ألواح الشوكلاتة، لتصميم المنتجات التي لها علاقة بمناسبات خاصة لدى الزبائن كطباعة صور للأشخاص عليها أو بعض الشعارات والكلمات”.
لكن بسبب الحصار الإسرائيلي، لا تتمكن سعد من إدخال كافة التقنيات التي تحتاجها لإنتاج الشوكلاتة ومواكبة العالم الخارجي بذلك.
وتزيد: “يمنع الحصار دخول بعض الأجهزة، مثل مقياس حرارة الأغذية الذي يعمل على الليزر، وهو مهم لقياس درجة حرارة الشكولاتة”.

(الأناضول)

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار