مقعد فارغ آخر

02 اكتوبر, 2022 07:30 مساءً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

بيت لحم -وعد الكار -في مدرسة الخنساء الأساسية ببلدة تقوع شرق بيت لحم، سار الدوام المدرسي اليوم الأحد على غير العادة، فقد توافدت طواقم مديرية التربية والتعليم في المحافظة للمدرسة منذ الصباح ليساندوا الطلبة والمعلمين في أول يوم دوام بعد فقدان الشهيد الطفل ريان ياسر سليمان (7 أعوام) الخميس الماضي.

بدأ الطابور الصباحي بالنشيد الوطني، ثم تلته كلمات تشد من أزر الطلبة، وتوزعت طواقم التربية على الصفوف لتقديم الدعم النفسي لهم.

وقالت خديجة سليمان، والدة الشهيد ريان، إن ثلاثة من جنود الاحتلال لاحقوا طفلها حتى منزل العائلة، وحينما طرقوا الباب، طلب ريان منها أن تبدل له ملابس المدرسة من شدة خوفه منهم، وحينما فتحت الباب لتحدثهم، فرَّ ريان إلى الباب الخلفي للمنزل، ليسقط مغشيا عليه من شدة الخوف.

وأضافت أنه في تلك اللحظة كانت قد جاءت جارتها أم فهمي سليمان لترى ما الذي يريده جنود الاحتلال، فتفاجأت بريان ملقى على الأرض، فاعتقدت أنه نائم، ونادت على والده لتسأله لماذا ريان نائم على الأرض تحت أشعة الشمس، وحينها تم نقل ريان إلى المستشفى، مؤكدة أنهم لم يتوقعوا أن يكون قلبه قد توقف وفارق الحياة.

وبينت أم الشهيد أن صباح يوم الخميس كان ريان قد طلب منها أن تحضر للمدرسة وتجلب معها فطورا، لأن هناك دعوة لإفطار جماعي، وقد لبت طلبه وشاركته الإفطار، وبعدها طلب منها فور عودتها للبيت أن تعد له طعام الغداء، الذي لم يتناوله.

وقالت: إن طفلها ارتقى شهيدا من شدة خوفه من الجنود، الذين أوقفوه قبل أسبوعين وقالوا له بالحرف الواحد "سيجيئ دوركم يا عائلة سليمان" وقد بقيت تلك الجملة ترن في مسامعه، حتى أنه كان يصحو مذعورا في الليل معتقدا أن الجنود داهموا المنزل، مؤكدة أنها لم تكن تعرف أن الرعب توغل في قلب طفلها لهذا الحد.

وفي غرفة الصف الثاني في المدرسة، جلس زملاء ريان وسط حالة من الحزن، وعلى المقعد الثاني وضعت صورة الشهيد ريان وإكليل من الزهور إلى جانب زميله كرم سالم الذي كلما مرَّ ضيف أو زائر رفع إشارة النصر بيديه الصغيرتين، وبصوت منخفض يقول: "بالروح بالدم نفديك يا شهيد".

يقول كرم إنه منذ بداية العام الدراسي وهو يجلس إلى جانب ريان، يلعبان ويأكلان معا، ويتشاركان الأقلام وبعض الأحاديث الجانبية.

وبعيون حزينة يروي كرم مراسم تشييع رفيقه الذي لفّوه بعلم فلسطين وحملوه على الأكتاف، وطبعوا قبلة أخيرة على جبينه في المسجد قبل الصلاة عليه، ولم ينسَ حينما وُضع كتاب التربية الوطنية إلى جانب جثمانه قبل مواراته الثرى.

ويؤكد أنه يشتاق لشريكه الذي لن يعود أبدا، مبينا مدى خوفه كلما شاهد جنود الاحتلال الإسرائيلي في محيط مدرسته.

بدورها، قالت مديرة المدرسة منى عبد الله إن استشهاد ريان مصاب جلل وصدمة مفاجئة للجميع، مشيرة إلى أنه لدى دخولها المدرسة صباح اليوم تجمع الطلبة حولها يسألونها إذا كان سيعود زميلهم أم أنه ذهب للأبد، مؤكدة أن الإجابة على أسئلة الأطفال أمر صعب، ولكن لا يمكن تجنبه.

وأوضحت أن جنود الاحتلال يتواجدون باستمرار في محيط المدرسة ويعرقلون وصول الطلبة، وفي أحيان كثيرة يقتحمون المكان، ما يخلق حالة من الخوف في نفوس الطلبة، خاصة أن أعمارهم تتراوح ما بين 6-14 عاما.

وبينت أن الدوام هذا اليوم لم يكن سهلا، فكان المطلوب أن نخفف من هول الصدمة على هؤلاء الأطفال الذين لم يعوا بعد معنى الفقد الأبدي.

من ناحيته، قال رئيس قسم الإرشاد التربوي في مديرية التربية والتعليم ببيت لحم معاوية عواد، الذي تواجد مع زملائه لتقديم الإرشاد النفسي الأولي للطلبة والمعلمين خلال 72 ساعة الأولى من الحدث، إنه لا بد من إعطاء شرعية لمشاعر الحزن والألم والقلق والتوتر والخوف التي يعيشها أطفالنا وإعطائهم مساحة للتعبير، وهي مشاعر إنسانية طبيعية.

وأضاف أن الاحتلال يتعمد استهداف المدارس التي تقع على نقاط التماس لتفريغها من الطلبة، من خلال قتلهم أو اعتقالهم، فمنذ بدء العام الدراسي استشهد أربعة طلاب من محافظة بيت لحم، وتم اعتقال واحتجاز حوالي 35 طالبا، إضافة إلى إصابة 12 آخرين، على يد المستوطنين وجنود الاحتلال.

وبين أن رسالة وزارة التربية والتعليم تسعى لدعم بقاء وصمود الطلبة والمعلمين في نقاط التماس، لضمان سير العملية التعليمية على أكمل وجه.

من جانبه، ناشد أمين سر حركة "فتح"- منطقة تقوع، محمد البدن المؤسسات الحقوقية وجمعيات حماية الطفل، تأمين الحماية لطلبة المدارس في البلدة من بطش جنود الاحتلال الذين يتواجدون باستمرار في محيط المدارس.

مواضيع ذات صلة

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار