زعيمان خالدان

05 اغسطس, 2022 10:40 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة

رام الله- زخر الشعب العربي الفلسطيني بالعديد من القادة العظام في الحقب التاريخية المختلفة، ومازال هذا الشعب ولادا ومنتجا للابطال وفرسان النضال الوطني والقومي، وسيبقى تاريخه حافلا في خلق نماذج جديدة من الشخصيات الملهمة والعظيمة وفقا لتطور الكفاح الوطني التحرري وفي ميادين الحياة السياسية والثقافية والفنية والاقتصادية والعلمية الاكاديمية والريادية دون استثناء.

وفي الزمن المعاصر احتل رجلان مكانة ورمزية عالية، تميزا بها عن اقرانهما من رموز وابطال الثورة الفلسطينية المعاصرة، ودون ان يغبنا او يصادرا حق مجايليهم ورفاقهم في النضال. جمع بين القائدين شهر الميلاد، وهو شهر آب / اغسطس، وعقد الولادة، عقد العشرينات من القرن العشرين، ولم تفصل بينهما سوى سنوات اقل من أصابع اليد الواحدة، عندما رأت عيونهما النور، وعاشا وتشربا مرارة ونكبة الشعب والصراع الدامي على ارض وطنهم الام فلسطين التاريخية مع الاستعمار البريطاني الانتدابي والحركة الصهيونية وقاعدتها المادية دولة إسرائيل غير الشرعية.

ولد جورج نقولا حبش في الأول من آب/ أغسطس من عام 1926، الذي أحيت مؤسسة عرفات ذكرى ولادته ال96 يوم الثلاثاء الماضي الموافق الثاني من آب / أغسطس الحالي، وولد ياسر عرفات في الرابع من آب/ أغسطس 1929، الذي يحتفي ويحي الشعب كله هذه الأيام ذكرى ولادته ال93. رغم اختلاف أماكن تواجدهما في فلسطين، وشروط حياة كل منهما، بيد ان ما جمع بينهما كبير وعميق ويتجاوز كل التفاصيل: النكبة والتشريد ومحاولات طمس الهوية الوطنية والقومية، وتحويل القضية والشعب إلى قضية إنسانية، وحرمانهم من الحرية والاستقلال وبناء دولتهم الوطنية وفقا لقرار التقسيم الدولي 181، رغم ما حمله من غبن تاريخي، والحؤول دون عودتهم واللاجئين عموما لوطنهم فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194، ووفق حقهم التاريخي والسياسي والقانوني في ارض الإباء والاجداد... الخ من المشترك بينهما.

وفي اعقاب النكبة عام 1948 ومع نضوج وعيهما السياسي، وادراكهما مسؤولياتهما الشخصية والوطنية والقومية، بدأ كل منهما يبحث عن السبل الكفيلة للرد على جريمة العصر، التي ابتلي بها شعبهم العربي الفلسطيني، الذي لم يحرم من حق تقرير المصير، والاستقلال والنهوض بدولته اسوة بشعوب الامة العربية والعالم الثالث فقط، بل تم طرده وتشريده من ارض وطنه الى دول الشتات والمنافي، وارتكبت بحقه عشرات المذابح والمجازر على مرآى ومسمع من العالم الحر، وبقي ومازال الشعب الفلسطيني بعد 74عاما من النكبة، وإقامة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية على انقاض نكبة الشعب دون بلوغ هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير وضمان حق العودة والمساواة لابناء الشعب في ال48.

فبادر حبش مع ثلة من رفاقه مطلع خمسينيات القرن الماضي بتاسيس حركة القوميين العرب، التي ضمت العديد من الشخصيات القومية العربية: من سوريا ولبنان والأردن والعراق واليمن والكويت والبحرين وعُمان وليبيا وتونس والسودان وغيرها من بلاد العرب، ثم أسس في أثر هزيمة حزيران / يونيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ال11 كانون اول / ديسمبر 1967. مع انه ورفاقه نفذوا اول عملية فدائية في الجليل في تشرين اول / أكتوبر 1964، ولكنهم لم يعلنوا عنها لاتفاقهم مع الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، ووفقا لشعارهم المرفوع آنذاك "فوق الصفر تحت التوريط"، مما افقده ورفاقه سبق القصب في اطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة.

في ذات التاريخ، أي في خمسينيات القرن الماضي كان ياسر عرفات يسعى مع عدد من مجايليه واخوانه، الذين غادروا جماعة الاخوان المسلمين، التي رفضت اعلان الكفاح المسلح، يسعون لشق طريق الحرية، وتمكن امير الشهداء خليل الوزير من تنفيذ بعض العمليات الفردية ضد المستعمر الصهيوني دون الإعلان عنها. لكن بلورة فكرة تشكيل اطار تنظيمي أخذت وقتا من الزمن بين المجموعات الفلسطينية الموزعة في اكثر من دولة عربية، ومبدئيا يمكن اعتبار عام 1957والبعض يقول في العام 1959 بداية بلورة وحسم الخيار لبناء التنظيم، ولكن تم تأجيل الإعلان عن ولادته لحين تنفيذ اول عملية فدائية مطلع كانون ثاني / يناير 1965، وبذلك تمكنت حركة فتح من انتزاع شرف المبادرة بإشعال فتيل الثورة الفلسطينية المعاصرة. مع ان الانطلاقة كان يفترض ان تتم في أيلول / سبتمبر 1964، ولكن لاسباب موضوعية وذاتية تأجلت.

ولنلاحظ ان كلا الرجلين والتنظيمين قررا الشروع في الثلث الأخير من عام 1964، الأول نفذ (القوميين العرب) والثاني (العاصفة) فشلت المحاولة. كما كانت معركة الكرامة في 21 اذار / مارس 1968 محطة هامة في حسم مكانة الريادة القيادية في الثورة الفلسطينية، عندما قررت حركة فتح المواجهة الى جانب الجيش الأردني الشقيق مع جيش العدو الصهيوني، ارتأت قيادة الشعبية انتهاج التكتيك الحرفي لحرب العصابات، ورفضت المشاركة في المواجهة، مما اثر على موقعها الريادي، رغم احتلالها موضوعيا مكانة الفصيل الثاني في الثورة الفلسطينية وبجدارة، وهناك نقطة مفصلية ثالثة انعكست سلبا على دور الشعبية القيادي تمثلت برفض الحكيم قيادة منظمة التحرير، لانه كان يرفض التعاون مع الأنظمة العربية عموما، والابتعاد عن النظام الناصري نسبيا وفقا للمعايير الأيديولوجية التي تبنتها حركة القوميين العرب في العام 1964، واقصد التحول من الفكر القومي الى الفكر الاشتراكي (الماركسي اللينيني).

ورغم اختلاف الرؤى والخلفيات الفكرية والسياسية والتنظيمية، واليات وأساليب المواجهة مع العدو الصهيوني والعلاقة مع اهل النظام الرسمي العربي والتحالفات الأممية ومعايير كل من التنظيمين الخاصة، والتناقض التعارضي غير التناحري في محطات عدة من تاريخ النضال المعاصر، الا انهما بقيا مسكونين بالدفاع عن الثورة ومصالح ووحدة الشعب ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، والاحترام المتبادل فيما بينهما، وإقرار الحكيم بتواضع شديد ونبيل بقيادة الرئيس الرمز ياسر عرفات للثورة والمنظمة على حد سواء.

نعم انهما زعيمان خالدان في سجل الكفاح الوطني والقومي والاممي، لانهما سطرا كل من موقعه ومكانته القيادية وخلفيته السياسية والفكرية صفحات عظيمة من العطاء النضالي، واشعلا الف شمعة في طريق الشعب، واعادا الاعتبار للقضية الوطنية، وانارا درب الحرية والاستقلال وتقرير المصير. وسيبقيا من ذوي المكانة الخاصة والهامة من بين الرموز الوطنية والقومية، وعناوين ساطعة في سماء الشعب والقضية في الثورة الفلسطينية المعاصرة. رحم الله الشهيدان القائدان حكيم الثورة وأبو الوطنية المعاصرة عرفات، ولروحهما السلام.

[email protected]

[email protected]     

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار