يُعَيِّرونَ،  ولا يُغَيَّرونَ

25 يونيو, 2022 07:35 مساءً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

غزة - إنّ الله عز، وجل يُغيّر، ولا يُعيّر، ويغفر، ويصفح، ويمسح، ويسامح، ويرحم، وهُو الستار  يستُر، ولا يفضح، وأكثر  البشر عكس ذلك يُعيرون، ولا يغُيرون، ويظلمون، ويفضحون، وكأن حالهم مع غيرهم: "الحسنة تخُص والسيئة تعُم"، فإن شاهدوا سيئة عَمموها، وإن شاهدوا خيرًا كتموه!.
   جاء في  الأثر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: "المؤمن يستر، وينصح، والفاجر يهتك ويفضح، فاختر أيهما تكن؟!؛؛ وسمع أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجُلاً يثني على رجل فقال لهُ : "أسافرت معه ؟ قال : لا قال : أخالطته ؟ قال : لا قال : والله الذي لا إله غيره ما تعرفه"؛ واليوم كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف، أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء وجد  بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته، ونقله!!؛ وهذا حال بعض النَّاس في هذا الزمان من الذين طبعهم مثل طبع الخنزير النجس فَيَّمُرْ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، ولا  يلوي إلا  على الخبيث، والخبائث، والنجاسات!!. كثيرًا ما نسمع في هذهِ الأيام بعض الكلمات السلبية المسمومة يتناقلها الناس فيما بينهم مثل: " فاسق، فاجر كافر، سافل، ساقط"، وتلك الكلمات السلبية مثل لعنة أبدية تلاحق المخطئ، وقد تفرّغ لها خَلق كثيرَا من أهل الأهواء، وتخصصوا بها، وتألوا على الله كثيرًا، فحكموا على عباده بالكفر حينًا، وبالفسق، والفجور،  والسقوط أحيانا كثيرة، فلم يرحموا بعضهم بعضًا حتي من تاب، وأناب إلى الله عز  وجل  لاحقوهُ، ورجَمُوه، فكانت ألسنتهم حادة كالمُنشار، وكأنهُم يريدون من التائِّبْ أن يبقي في الظلال، والظلام بدلاً عن تشجيعه، والأخذ بيده لطريق الإيمان، والتقوي، والفضيلة، ومكارم الأخلاق!؛ وصدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل في كتابه العظيم القرآن الكريم: "  وَإِن تُطِعْ  أَكْثَرَ  مَن  في ٱلْأَرْضِ  يُضِلُّوكَ عَن  سَبِيلِ ٱللَّهِ""؛؛ يقول ابن عباس رضي الله عنه ورحمه الله تعالى:  "لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب"؛ ولقد جاء في مكارم الأخلاق هذا الأثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَذْنَبَتْ إِحْدَاكُنَّ ذَنْبًا فَلَا تُخْبِرَنَّ بِهِ النَّاسَ، وَلْتَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى وَلْتَتُبْ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَ يُعَيِّرُونَ، وَلَا يُغَيِّرُونَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُغَيِّرُ وَلَا يُعَيِّرُ"؛؛ وقال مالك بن دينار : إن الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البر،  وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور ، والله يرى همومكم ، فانظروا ما همومكم رحمكم الله “..؛ وقال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: "لو أخذت سارقًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ، ولو أخذت شاربًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ "؛؛ ولما كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب - يعني الخمر-، فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فَنُطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فكتب إليه: "أنت -لا أمَّ لك- الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم"؛ وعن المعْرُور بن سُوَيْد قال: أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد؛ وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى سيدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قال: إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه: "تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة"؛ وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: إنَّ المؤمن ليُعطي كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. يقول  سفيان بن عيينة رحمه الله:  "لولا ستْر الله جل جلاله ما جَالسَنا أحدٌ"؛ وقال سفيان الثوري رحمه الله: "الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس، وأول ذلك زهدك في نفسك" ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "سبحان الله؛ في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وهوى بلعام، وحِيَلُ أصحاب السبت  وتمرّد الوليد وجهلُ أبي جهل "!؛؛ وقال الذهبي رحمه الله : ما خلا مجتمع من التغاير، والحسد  إلا ما كان في جانب الأنبياء، والرسل عليهم السلام، ومن علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه؛ وقال يحيى بن معاذ : "القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها  فانظر  إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو .. حامض .. عذب .. أجاج .. وغير ذلك"؛ ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه؛ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : كل ما كان في القرآن من مدح للعبد فهو من ثمرة العلم،  وكل ما كان فيه من ذم فهو من ثمرة الجهل؛ وختامًا لنكن من يرسم البسمة على وجوه الناس، ومن يزيل همومهم، وأحزانهم، ومن يترك أثرًا جميلاً  قبل الرحيل؛ نسأل الله جل جلاله أن لا يجعلنا، وإياكم من الناس الذين  يُعَيِّرونَ،  ولا يُغَيَّرونَ، وأن يجعلنا من عبادهِ الأبرار   الأطهار... 
الباحث، والكاتب، والمحاضر  الجامعي، المفكر العربي، والمحلل  السياسي
الكاتب  الأديب  الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو  نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء  مصر، رئيس المركز  القومي لعلماء  فلسـطين
رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية
 [email protected]

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار