الأغوار.. لم تنته النكبة

15 مايو, 2022 11:04 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

الأغوار -إسراء غوراني-ما إن يذكر مصطلح النكبة حتى تعود الأذهان إلى العام 1948، لكن المعطيات على أرض الواقع تشير إلى أن النكبة الفلسطينية تجاوزت حدود ذلك الزمان واستمرت حتى يومنا هذا.

وتعد منطقة الأغوار الفلسطينية شاهدا على استمرار النكبة وتجددها، في ظل ما تواجهه من محاولات التهجير القسري لتجمعاتها التي تصارع للبقاء.

خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية من أوضح نماذج محاولات التهجير القسري التي ما زالت سلطات الاحتلال تنتهجها بحق المواطنين في تجمعات الأغوار حتى اليوم.

منذ شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2020 وحتى شهر تموز/ يوليو 2021، شهدت خربة حمصة الفوقا عمليات هدم متتالية لخيام المواطنين ومنشآتهم، في عملية وصفتها الأمم المتحدة آنذاك بأنها أكبر عملية تهجير قسري في الضفة الغربية منذ سنوات.

وتعرضت الخربة لسبع عمليات هدم متتالية، نجم عنها تهجير 11 عائلة من مكان سكنها الأصلي، والابتعاد بالإكراه مئات الأمتار عنه، فضلا عن التهديدات المستمرة بترحيلهم من الموقع الذي يقيمون فيه حاليا.

أنس العواودة أحد سكان خربة حمصة الفوقا، الذي تعرضت عائلته للتهجير، يقول في حديث لـ"وفا"، إنهم وعائلاتهم يعيشون ظروف النكبة وويلاتها يوميا، فبعد أن هدمت سلطات الاحتلال مساكنهم سبع مرات وهجرتهم من موقعهم القديم؛ تعود وتداهم خيامهم بين الفينة والأخرى، وتهددهم بالترحيل مجددا.

منذ عمليات الهدم الأخيرة وحتى الآن، لم تعد حياة سكان حمصة إلى سابق عهدها، فاستهداف الاحتلال لهم انعكس على أمنهم واستقرارهم بشكل كبير، فهم يتوقعون تكرار ما حدث معهم من عمليات هدم وتهجير في أي لحظة بسبب التهديدات المتكررة التي يتعرضون لها، كما انعكس ذلك على مصادر رزقهم، خاصة أنهم الآن لا يجدون المراعي لمواشيهم.

مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، قال في تقرير نشره عام 2017، بعنوان: (تجمعات سكانية مهددة بالتهجير)، إن سلطات الاحتلال تركز في مساعي التهجير على ثلاث مناطق بالضفة الغربية، منها منطقة الأغوار، "فهنالك ما يقارب 2,700 شخص يسكنون في نحو عشرين تجمّعا رعويا، في أراضٍ أو على أطراف أراضٍ أعلنها الجيش مناطقَ إطلاق نار، وتسعى الإدارة المدنيّة بوسائل مختلفة إلى منع هؤلاء الفلسطينيين من مواصلة السكن في المنطقة، ومن ضمن تلك الوسائل هدم منازلهم مرارًا وتكرارًا، وإخلاؤهم المتكرّر لفترات قصيرة بحجّة التدريبات العسكريّة، ومصادرة الصهاريج التي تزوّدهم بالمياه".

وأضاف التقرير أن السلطات الإسرائيلية تسعى من وراء هذه الممارسات المخالفة للقانون، إلى تحقيق غاية سياسيّة صرّحت بها جهات رسميّة في مناسبات مختلفة، وهي استغلال الوقت لفرض وقائع ثابتة على الأرض والسيطرة على تلك المناطق".

في منطقة احميِّر التابعة لخربة الفارسية بالأغوار الشمالية حكاية أخرى، فهناك يرقب السكان نذر نكبة تلوح في الأفق، ويتخوفون من أن يكون تهجيرهم من أراضيهم مسألة وقت فقط.

فمنذ ما يزيد عن شهر يواصل "مجلس مستوطنات الأغوار" عمليات تجريف واسعة النطاق في أراضي خربتهم، وما يرشح من معلومات يشير إلى أن الاحتلال ينوي إقامة مرافق حيوية ومدارس تابعة للمستوطنات في تلك المنطقة.

المواطن منصور أبو عامر الذي يقيم على بعد كيلو متر واحد فقط من عمليات التجريف، أشار في حديثه لـ"وفا" إلى أن تلك العمليات التي تجري على مقربة من خيام المواطنين تؤكد أن الاحتلال عازم على تنفيذ مشروع ضخم في المنطقة، ما يعني أن مصابا جللا قد يقع بالخربة ويؤدي لترحيلهم عنها.

ويوضح أبو عامر أن الاحتلال لديه مطامع قديمة في خربة احميّر، فقبل عقود كانت عشرات الأسر تسكن المنطقة، لكن مع احتلال الأغوار عام 1967 هُجِّر غالبيتها قسريا ولم يتبق منها اليوم سوى 15 اسرة تواجه مخططات يومية لترحيلها وتهجيرها.

وقد تكون أعمال التجريف الأخيرة أحدث محاولات الاحتلال لإطباق السيطرة الكاملة على المنطقة وتهجير سكانها، فسابقا وظف الاحتلال وسائل مختلفة لخلق بيئة طاردة للسكان وإجبارهم على الرحيل، منها محاربتهم في مصدر رزقهم الوحيد "الثروة الحيوانية"، وإغلاق المراعي ومنعهم من وصولها، والاستيلاء على ثلثي أراضي الخربة.

ويقيم المستوطنون وسلطات الاحتلال على أراضي الفارسية وفي محيطها أربع مستوطنات، وهي: "ميخولا، وشدموت ميخولا، وروتم، وسلعيت".

وأرجعت دراسة نشرتها مجلة "سياسات عربية" في آذار/ مارس 2021، بعنوان: (التهجير القسري في المنطقة "ج" والأغوار الفلسطينية في سياق الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي)، أبعاد تهجير الفلسطينيين من أرضهم في المنطقة "ج"، بما فيها الأغوار الفلسطينية، إلى الفترة التي أعقبت حرب حزيران/ يونيو 1967، فمنذ ذلك الحين، وضعت إسرائيل خططا وسياسات للتهجير الاستعماري للفلسطينيين قسرا من أرضهم، بدأت مع طرح إيغال آلون خطته التي تضمن للمستعمر السيطرة والاستيلاء على الأرض التي تعود ملكيتها للفلسطينيين وطردهم منها".

وبحسب الدراسة، عبرت إسرائيل بعد احتلالها كامل فلسطين عام 1967 عن مكانة هذه المنطقة وخصوصيتها في خطة آلون، التي عرضها أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي في تموز/ يوليو 1967، وجاءت في سبعة بنود، ثلاثة منها مخصصة لمنطقة الأغوار الفلسطينية. استنادا إلى ذلك، منحت هذه الخطة المستعمر القدرة على تعزيز استراتيجيته الأمنية. واستندت هذه الاستراتيجية إلى ضمان استمرار طرد الفلسطينيين وتهجيرهم قسرا من بلداتهم وقراهم ومخيماتهم التي كانوا يقيمون فيها في المنطقة، مستفيدين من طرد وتهجير ما نسبته 88% من سكان المنطقة إبان حرب عام 1967".

وتوضح الدراسة: "ضمن الخطة نفسها، وبهدف تطهير الفلسطينيين وطردهم وتهجيرهم والحيلولة دون تطورهم، منعتهم إسرائيل منذ عام 1967 من البناء والتوسع في المنطقة، في مقابل منح المستوطنين الحق في السكن والعمل والتملك والبناء. ولتحقيق ذلك، اعتمدت آلية بيروقراطية قانونية معقدة لسلب الأراضي، يتمثل عنصرها الرئيسي في إعلان الأراضي الشاسعة في الأغوار الفلسطينية وتسجيلها باعتبارها "أراضي دولة"، ومصادرتها لدواع عسكرية أو لتلبية الحاجات العامة، ومصادرة الأرض "المتروكة" أيضا من أصحابها الأصليين. نتيجة لذلك، برز نوعان من المستوطنات في هذه المنطقة: أولا المستوطنات العسكرية؛ التي تعمل على تكريس الهيمنة الأمنية. وثانيا المستوطنات الزراعية، حيث اهتم المستعمر منذ احتلاله المنطقة بالسيطرة على الأرض الزراعية، نظرا إلى توافر المياه وجودة التربة وطبيعة المناخ الملائم للزراعة... ما يعني أن سياسة إسرائيل تهدف إلى فرض السيطرة على الأرض الفلسطينية، مع السيطرة على الكتلة الديموغرافية الباقية في الأغوار الفلسطينية، ومنع تطورها جغرافيا، في مقابل منح المستوطنين امتيازات مهمة في الأغوار للتوسع الاستيطاني واستغلال الموارد ونهبها".

وفي دراسة أعدها الباحث فراس حنني لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني التابع لوكالة (وفا)، جاء أن منطقة الأغوار كانت هدفا للاحتلال والاستيطان منذ 1967، فقد زرع مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات التدريب، وهذا يندرج تحت سياسة ممنهجة ترمي إلى إفراغ هذه المنطقة من سكانها استكمالا لمخطط ضم الأغوار، والعمل على تهويد هذه المنطقة من خلال سلسلة من المشاريع الاستيطانية التي بدأت منذ احتلال الضفة عام 1967، إذ تبلور إجماع لدى قادة إسرائيل بضم القدس والأغوار وخاصة ما عرف بمشروع "آلون" الذي بدأت إسرائيل بتنفيذه أواخر الستينات ببناء مجموعة كبيرة من المستوطنات على طول نهر الأردن، وصلت حتى نهاية عام 2018 إلى 36 مستوطنة يعيش فيها أكثر من 7500 مستوطن.

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار